د. إبراهيم بن جلال فضلون
مَن أدرك مواطن الضعف لدى خصمه واستثمرها، أوقع به في شراك العجز الكامل أو إلقاء الخوف والرعب معاً داخله، فمن عظات التاريخ المقاومات الشعبية وحركات التحرّر في العالم ومصر خاصة بأساليب شتى في هذا الاتجاه، حتى أنّ مغزل غاندي اليدوي البسيط أعجز منظومةً استعمارية عملاقة استبقت العالم في الإنتاج بالجملة، بل وأنّ شعوباً مقهورة وظّفت ضعفها المادي في إنجاز انتصاراتها على قوة العدوّ أو المحتل، وهو ما يسعى الفلسطينيون لإثباته بالمقاومة الشعبية أمام حروب العصابات الإسرائيلية وتجاربها الدموية، وتخيل معي طائراً يتحدى أقوى وأحدث طائرة حربية في العالم، ليُثبت عكس ذلك؛ فدفع الطائرة المقاتلة «إف-35» إلى الهبوط اضطرارياً في إسرائيل، بعد اصطدامهما معاً. ليشدو بيت أمير الشعراء المصري، أحمد شوقي بقصيدته: (أُعدَّتِ الراحةُ الكُبرى لِمن تعِبا):
عَلِمتَ أَنَّ وَراءَ الضَعفِ مَقدِرَةً
وَأَنَّ لِلحَقِّ لا لِلقُوَّةِ الغَلَبا
وإن كانت التقنيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي يتباهون بها لا يمكن للضعيف مجاراتها، إلا أن العقول البشرية التي ميزها الله بخلقها يمكنها تعطيلها والتفوق عليها لاسيما وأن تلك العقول هي من صنعتها، فقبل عقود؛ علم المصريون الغزاة دروساً وما زالوا، كتلك التي كانت في العاشر من رمضان 1973م، بقوة العرب التي لم يقف أمامها المحتل، وقهر جيشه الذي قيل إنه «لا يُقهَر»، وفي فلسطين جرّب صَبيّاً قضم ثمرة باذنجان ثم ألقاها سريعاً صوب عربة جند فاضطرهم إلى الانبطاح أرضاً هَلِعين بعد أن حسبوها قنبلة يدوية. والمغزى أن مكامن الضعف ولدت قوّة كامنة، يمكنها أن تنهال على سطوة أية قوّة، كالتي جسدتها دراما الرسوم المتحركة؛ كما في الثنائي «توم وجيري»، ولا عجب أن تفقد قذائف المعتدين قدرة الإيلام والردع في مجتمعات صامدة،
ولا أعجب من صورة أطفال غزة وقد فرحوا بقذيفة عملاقة نزلت كالصاعقة في حيِّهم السكني؛ فاتخذوها حصاناً يركبونه ويسخرون منه في صيف 2014، فكيف يمكن أن تستقر حكومة نتنياهو بعد مرور 100 يوم من حكمه أو غيرها في ظل حالة عدم الاستقرار الراهنة في الساحة السياسية الإسرائيلية، لاسيما الداخلية جراء عدم وجود أفق سياسي يمكن أن يقبل به الائتلاف الحاكم المُهيمن على القرارات وأزمة الإصلاحات القضائية (المُشخصنة)، ونتنياهو، الذي زحزح الأزمة إلى ما بعد بدء الدورة الجديدة للكنيست، حتى لا يقود الدولة إلى حرب أهلية في حال استمراره في موقعه، بينما لا يزال الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ يُحاول العمل على بناء توافق سياسي وحزبي لا يؤدي إلا إلى (شارعا مقابل شارع)، لتكمن بينهما خطورة الموقف بعد الـ100 يوم من حكم «نتن ياهو»، المُتهم في سلسلة قضايا، حتى المعارضة منقسمة وقادتها شخصيات ضعيفة، أمامه وأمام فكرة تشكيل الحرس الوطني تحت إمرة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في إطار فلسفة أجهزة المعلومات حول أولوياتها الأمنية والاستراتيجية والتي تشكلت من سنوات طويلة مثل «شاباك» و»أمان» و»الموساد»، والعمل على إعادة بناء الردع المواجه خوفاً من التهديدات التي طالت الدولة سواء من قطاع غزة، أو سوريا أو لبنان، ومليشيات إيران، التي تُعاديها المنظمات اليهودية، خاصة «إيباك» و(ماما) أميركا التي تضطرب علاقاتها حالياً مع الدولة اليهودية، فلا تبقى إسرائيل «دولة عظمى» على حالها ما دام بداخلها الخوف والهلع من الفلسطينيين والعرب لاسيما مصر، وعلمُها أبدَ الدهر أنها ستغيبُ شمسها، وتلك عظات التاريخ بماضيه وحاضره، فانهارت أسطورة خطّ بارليف الحصين في سويعات، وسقط سور الصين العظيم ووصولاً إلى خط ماجينو الدفاعي الفرنسي في الحرب العالمية الثانية، لذا فأسطورة القبة الحديدية أو الجدُر العملاقة في أرض القُدس سيعجز في نهاية المطاف عن حجب طائر محلِّق استطاع يُجبر طائرة مقاتلة «إف-35» على الهبوط اضطرارياً.