صبار عابر العنزي
كلمة واحدة في العربية تحمل في جوفها كل السخاء والشهامة والعفة والعفاف والشجاعة والحلم والطيبة, كلمة ليست ككل الكلمات، لها دلالتها ولها أثرها ولها وجودها وتأثيرها في نفوسنا. هي «المروءة» وأنتم أهل لها...
فكمال الرجولة مفهوم يختصر كل المفردات والكلمات والجمل بـ»المروءة» التي تعد خصلة عالية وسامية وشريفة وجليلة تميز الفرد عن غيره من البشر, فهي لباس محاسن الأخلاق وجميل العادات، وصدق اللسان، وبذل للمعروف، وكف الأذى، وصيانة النفس، وطلاقة الوجه...
وهي أنواع منها المروءة مع الله عن طريق الاستحياء منه جل شأنه، حتى لا يقابل العبد الإحسان الإلهي والنعم بالكفران أو بالإساءة والجحود بل عليه أن يلتزم أوامر المولى ونواهيه، ويخاف منه حق الخوف سواء في حركاته أو سكناته أو أثناء خلوته مع نفسه. والمروءة مع النفس عن طريق حمل النفس على ما يجملها، وترك ما يدنسها. والمروءة مع الخلق بإيفاء حقوقهم والسعي في قضاء حاجاتهم، وبشاشة الوجه لهم وحفظ اللسان...
أما خوارم المروءة فمنها استغلال الضيف أو تكليفه بالعمل، ولو كان خفيفاً، وتناول الطعام في الطرق أو الأماكن العامة كالأسواق، وأكل الفرد السحت، والوقوع في الشبهات ودخول الأماكن التي يوجد فيها انتهاكات لحرمات الله...
سُئِلَ بعض الحكماءِ عن العلاقة بين العقل والمروءة فقال: (العَقل يأمرك بِالْأنفعِ، والمروءَة تأمرك بِالأجمل) وكذلك الفرق بين المروءَة والكرم فهما... قرينان في الفضل، ومتشاكلان في العقل، والفرق بينهما مع التشاكل من وجهين أن الكرم يراعي الأحوال، أن تكون على أنفعها وأفضلها، والمروءَة مراعاة للأحوال، على أن تكون على أحسنها وأجملها...
ومن قصص المروءة زمن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب: دخل إعرابي بستاناً ليستريح ويستظل بظله، فأناخ ناقته ثم جلس أسفل شجرة وغلبه النوم وقامت الناقة وأحدثت فساداً وعندما جاء صاحب البستان شاهد ما فعلته فأخذ يضربها حتى ماتت ، فاستيقظ الأعرابي وتشاجر معه وضربه ليلقى مصرعه...
فأمسكوا الأعرابي يطالبون بالقصاص فطلب منهم أن يمهلوه حتى يرجع إلى قبيلته وأولاده ليطمئن عليهم ويوصي لهم ثم يعود ليأخذوا القصاص منه فقال الأولاد ومن يضمن لنا أنك ستعود، وبينما هم كذلك مر بهم الصحابي الكريم أبو ذر الغفاري وعلم بأمرهم فقال: أنا أضمن الرجل، وفعلاً ذهب الرجل إلى أهله ووعدهم بالعودة في يوم محدد، جاء هذا اليوم ووقف الجميع بانتظاره ولكن تأخر الأعرابي ولم يأت في الموعد المحدد...
ذهب أولاد القتيل إلى أبي ذر الغفاري فقالوا: كيف تضمن رجلاً لا تعرفه ولا تعرف بلده؟ فقال لهم الغفاري: حتى لا يقال إن أهل المروءة قد ولوا. وبينما هم كذلك ظهر الرجل وأقبل حتى وقف بينهم فسألوه في دهشة لماذا عدت وكان بإمكانك أن تنجو بنفسك؟ فقال لهم: حتى لا يقال إن أصحاب الوفاء قد ولوا, فقال أولاد القتيل ونحن قد عفونا عنك حتى لا يقال إن أهل العفو قد ولوا...!!
قبل أن نختم هذا المقال نذكر بيتين لبهاء الدين زهير:
وَما ضَاقتِ الدُّنيا على ذي مروءةٍ
ولا هي مسدودٌ عليهِ رحابها
فقَد بشَّرتني بالسَّعادَةِ هِمَّتي
وجاء من العلياءِ نحوي كتابها
وقد نظم أحد شعراء العراق في العصر الحديث «السيد عبد المهدي» أبياتاً بعنوان «مررت على المروءة وهي تبكي»:
مررت على المروءة وهي تبكي
فقلت علام تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي
جميعاً دون خلق الله ماتوا