صبار عابر العنزي
يُعرف البرزخ على أنه الحياة التي تأتي ما بعد الموت، حيث تبدأ مرحلة جديدة تتصف بالحساب على ما أسلفه الإنسان في الحياة الدنيا، إذ تبدأ الحياة « البرزخية « مع اللحظات الأولى من قبض الروح ومن ثم العروج بها والرحيل إلى الدار الأخرى...
وتختلف الحياة البرزخية اختلافاً كلياً عن الحياة الدنيوية وعن الحياة الأخروية، فكل له صفات ومقومات تتميز في شيء يسمو على الآخر فالحياة البرزخية تسمو بها النفس على كل من الجسد والروح، ويختلف كل منها في أوجه كثيرة أهمها: أن الروح ذات صلة دائمة بالبدن فهي تتعلق به تعلقاً خاصاً، وإن فارقت الجسد وانسلخت عنه عند قبضها، فإنها لا تفارقه بشكل كلي، بحيث لا يبقى لها التفات أبداً، وإنما تعود إليه أحياناً...
ومع كل ما ذكر أعلاه عن حياة البرزخ، يؤمن المسلمون أن هنالك الكثير من الحقائق التي لا يعلمها إلا الله ولا يدركها إلا الميت نفسه، وعلى العبد المسلم الإيمان والتسليم بمقتضيات الموت...
والمسلمون يعتبرون البرزخ العالم الذي يفصل بين الموت ويوم القيامة، ولهم فيه آراء كمذاهب ومعتقدات فقد اتفق أهل السنة والجماعة أن البرزخ عالم الأموات الذي ينتظر به المسلمون يوم القيامة...
وهناك ثلاثة أنواع من الحياة، الحياة الدنيا، وحياة البرزخ، وحياة الآخرة، والنوعان الآخران من الأمور الغيبية، فالحياة التي يعيشها الإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أولًا الحياة الدنيا، التي تنتهي بالموت، وثانيًا: حياة البرزخ، وهي التي تكون بعد الموت إلى قيام الساعة، ثالثًا حياة الآخرة، وهي التي تكون بعد قيام الناس من قبورهم إما إلى جنةٍ، وإما إلى نار...
والبرزخية هي التي تكون بعد موت الإنسان إلى بعثه، وسواء قُبِر أو لم يُقبر أو احترق أو أكلته السباع، وهذه الحياة إما أن تكون نعيمًا وإما أن تكون جحيمًا، والقبر فيها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران...
والذي يدل على النعيم والعذاب فيها، قول الله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (سورة غافر: 46)...
البرزخ: هو حياة القبر، وهي ليست كحياة الدنيا ولا كحياة الآخرة، بل هو ميت الجسد، لكن روحه إذا كان من الكافرين هي في أسفل سافلين تعذب، وإن كان من المؤمنين فإن روحه تنعم عند الله سبحانه وتعالى. قال ابن القيم: عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة...
والأرواح في البرزخ تكون سعيدة أو تعيسة لأنها تُنبأ بمكانها يوم القيامة في الجنة أو النار حسب أعمالها في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده من الجنة أو النار بالغداة والعشي) والأرواح تعيش حرة طليقة في البرزخ بين السماء والأرض، وهي لا ترتبط بالجسم ولا بالقبر...
والأرواح تتفاوت في البرزخ أعظم التفاوت فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصالحين، ومنها أرواح في أسفل السافلين مع القتلة والزناة والمشركين...
أخيرًا.. البرزخ هو الحاجز الذي يكون بين شيئين يمنع أحدهما من الوصول إلى الآخر، أو الحاجز بين مسافتين، ومنه قولهُ تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي حاجزاً يمنعهم من الرُّجوع إلى الدُّنيا، ويبقون فيه إلى يوم القيامة، وكذلك قولهُ تعالى {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا}...
أسأل الله العلي القدير لكم نعيم البرزخ والآخرة وقبل ذلك سعادة الدنيا.