أ.د.عثمان بن صالح العامر
حديث الناس هذه الأيام - على الأقل في مجتمعي المحلي الذي أعيش فيه - الكمأ (الفقع)؛ يبحثون عنه تحت الأرض في مواطنه المعروفة وأماكنه المعهودة من جراء خبرتهم بالنباتات التي تدل عليه.. يقطعون المسافات الطويلة عندما يُذكر لهم مكانه، أو يصلهم مقطع مصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأناس وهم يستخرجونه والفرحة تتراقص بين أعينهم.
ما سر هذا التعلق بالبحث عن الكمأ «الفقع»، مع أنه يمكن لهذا الباحث أن يشتريه حين يجلب إلى السوق بثمن قد يوازي سعر البنزين وصولاً للمكان الذي قصده من أجل هذه الغاية ذهاباً وإياباً، فضلاً عن الوقت والجهد اللذين يُبذلان في سبيل الحصول على كمأة واحدة أو اثنتين أو ثلاث؟
سألتُ أكثر من شخص من المولعين بتتبُّع مواطن الفقع والبحث عنه مهما غلا الثمن وعظم التعب؛ لعلي أجد جواباً عن سر هذا التعلق. وللأسف لم أجد ما هو مقنع، لكن الكل كان يقول ويردد (أجد لذة ومتعة غريبة).
هناك من ساق جملة فوائد عامة تتحقق من جراء ممارسة هذه الهواية، من بينها: التعود على التحمل، وامتلاك مهارة الصبر، والفرح بالإنجاز، والمنافسة الشريفة للحصول على كمية أكبر، والمشي لمسافة طويلة دون أن تعلم أو تمل، وامتحان جودة النظر وقوة التركيز لدى الإنسان، فضلاً عن الاستمتاع الذي يفوق الوصف.
هذه هي حكاية شريحة عريضة في المجتمع السعودي مع الكمأ (الفقع) هذه الأيام، ولَم يكن هذا الشيء لينال منا البحث عنه والاهتمام كل هذا الاهتمام والترحال لولا ما نرفل به في مملكتنا الحبيبة من نعم لا تعد ولا تحصى، خير عميم، وغيث مدرار، وأرض خضراء، وقبل هذا وذاك أمن وأمان ورغد في العيش واستقرار واطمئنان - ولله الحمد والمنة - {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}. أدام الله علينا ما نحن فيه وزاد.. وبالشكر تدوم النعم وتزيد. ولولا هذا كله لما كان ضمن أولوياتنا ومحل اهتمامنا، ولما كان منا الترحال من منطقة لأخرى من أجل البحث عن الكمأ. وإلى لقاء. والسلام.