سلمان بن محمد العُمري
شابان يعملان في قطاع واحد، ويسكنان في منطقة سكنية متقاربة، أحدهما يأتي إلى العمل منشرح الصدر في حين أن الآخر قل أن يأتي هادئاً مطمئناً على الرغم من أنهما يعملان جميعاً وطريقهما ومسارهما للعمل غير مختلف وظروفهما الاجتماعية متقاربة.
ثمة فارق ليس باليسير بين الاثنين ألا وهو ضبط النفس وهو ما اكتشفه وأسهم في علاجه الرفيق الآخر حينما لحظ عليه التوتر الدائم في كل صباح، وبادره بالسؤال عن هذا التوتر؛ هل هو من قلة النوم أو لظروف عائلية أو أمور أخرى. وكان الجواب بالنفي، ومع استمرار السؤال أكد الطرف الأول أن انزعاجه الدائم وتوتره بسبب ما يلاقيه من أساليب بعض قائدي السيارات سواء في الصباح أو عند الانصراف من العمل، وأن هذا التوتر والقلق والانفعال يلاحقه حتى حينما يعود إلى أهله متعكراً ومتوتراً.
استأذنه صاحبه أن يكفيه الانزعاج من القيادة لمدة أسبوع، وأن يتولى المرور عليه كل صباح ويذهبا سوياً للعمل، وكذلك الحال في العودة، وكان له ما أراد ووافق على طلبه، ولحظ الصاحب (المنزعج) هدوء صاحبه في قيادة السيارة وعدم اكتراثه لما يواجهه في الطريق من مخالفات قائدي السيارات حتى وإن كان الخطأ بيناً ويقابل ذلك بالابتسامة أحياناً في الوقت الذي كان فيه صاحبه منزعجاً مما يراه من الآخرين، وهكذا لمدة أسبوع حتى كاد أن يضجر من صاحبه السائق وينعته بالبرود واللامبالاة.
في الأسبوع الثاني طلب الآخر أن يرد الجميل لصاحبه، وأن يوصله هو الآخر فوافق على الفور ولم يتردد، وعند أول موقف رأى أن صاحبه غضب سريعاً وتفلت لسانه مع محاولة اللحاق بصاحب سيارة، وتكرار استخدام المنبه له، عندها تدخل صاحبه، وقال له: ألم تلحظ في الأسبوع الماضي أنك كنت تأتي للعمل مرتاح البال وبهدوء يختلف عن سابق الأيام. قال: بلى، فقال له: أنت من تملك هذا الأمر وليس الآخرين الذين يتحكمون في أعصابك وهدوئك أو غضبك، وتستطيع بالتدرج أن تبقى هادئاً وغير منفعل، وحاول أن تمرن نفسك وتعودها على هذا السلوك فحاول أن تتغاضى عما تراه بالاستغفار تارة، وبالتغافل تارة أخرى، ومنذ هذه اللحظة، وبالفعل تجنب الانفعال عما يراه من مواقف على الطريق في بقية الأيام حتى أصبح مع التدرج أن الانفعال لم يعد في قاموسه، واستفاد من تجربة زميلة العملية، وقال: لقد كانت وصية سيد الخلق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: (لا تغضب)، وصية عظيمة، وليتنا نجعلها دائماً في كافة شؤننا وما نلاقيه من مواقف في الطرقات والأسواق والأعمال بل وحتى في المنازل، ونحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا فنرتاح ونريح غيرنا، ونضبط سلوكنا وانفعالنا حفاظاً على أرواحنا وسلامتنا وسلامة الآخرين.