سلمان بن محمد العُمري
غنيٌ عن التعريف والإسهاب في الحديث عن أهمية الوقف وتخصيص الأوقاف في المجتمعات، وعن الوقف وإسهاماته الحضارية في تاريخنا الإسلامي، فلا زالت الأوقاف في مشارق الأرض ومغاربها مما لدى المسلمين وغيرهم شاهداً على الأثر الكبير لها إذا أحسنت إدارتها وتشغيلها وتنمية مواردها باتزان لتصبح دائمة الفائدة بل ومضاعفة.
ولن أضرب مثلاً بما لدى دول العالم من مؤسسات وقفية وما يخصص في عوائد الأوقاف من صرف على مشاريع تعليمية وصحية وغذائية، فلدينا -ولله الحمد والمنة- مؤسسات وقفية رائدة تستحق أن تُذكر وتُشكر على عطائها، ومنها مؤسسة الملك فيصل الخيرية والتي ينبثق عنها مجموعة من المؤسسات والبرامج، ومنها جائزة الملك فيصل العالمية التي تم إطلاقها منذ ما يزيد على اثنين وأربعين عاماً، وقدمت هذه المؤسسة الخيرية برامج عديدة حين نشأتها وكان في مقدمتها كفالة الآلاف من طلاب الدراسات العليا من أبناء العالم الإسلامي في الجامعات العالمية، وهناك مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وغير ذلك من البرامج والأعمال الخيرية. وما استمرار الجائزة وقوتها طوال السنوات الماضية سوى توفيق من الله عز وجل ثم جهود الرجال المخلصين ممن يقومون على هذه المؤسسة الرائدة، وهم أبناء الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز-طيب الله ثراه-، ثم الإدارة المتميزة لهذه المؤسسة الوقفية والاستثمار الأمثل لمواردها وإيراداتها بما يضمن استمراريتها ومضاعفة أصولها.
ولقد سعدت وأنا أقرأ خبر مبادرة جائزة الملك فيصل العالمية وتخصص موضوع للدراسات الإسلامية لهذا العام (حول الوقف في الإسلام)، وهو موضوع موفق ومناسب صدر من رحم مؤسسة وقفية تقدر للموضوع أهميته والحاجة المستمرة إليه، وهذا ليس بغريب من أمانة الجائزة والقائمين عليها ولاسيما أن الجائزة بريادتها العالمية أصبحت من أهم الجوائز في العالم التي تقدر العلم والعلماء في مختلف العلوم والمعارف، وما ينفق على الجائزة وما تحظى به من تقدير واهتمام من دور العلم وتفاعلها في ترشيح الفائزين يؤكد ذلك، بل إن العديد ممن فازوا بجوائز نوبل للعلوم في مختلف التخصصات كانت جائزة الملك فيصل العالمية هي المبادرة في تقديرهم وتكريمهم والتعريف بهم في المحافل العلمية الدولية لما للجائزة من قيمة واعتبار.
وبهذه المناسبة أتمنى من أمانة مؤسسة الملك فيصل الخيرية تخصيص مشروع وقفي سنوي لصغار الباحثين يتضمن تقديم إعانات شخصية للباحثين الناشئين في علوم وفنون ومعارف شتى سواء علمية أو إنسانية أو اجتماعية، على أن يكون البحث جاداً وتحت مظلات علمية معتبرة، وتقديم الإعانة للبحوث بعد تحكيمها من لجان علمية متخصصة.
إن مؤسسة الملك فيصل الخيرية واحدة من المؤسسات الوقفية الرائدة في بلدنا المعطاء، وإن تعددت مجالاتها واختلفت مناشطها وهي مكملة لبعضها البعض في تنوع الأعمال والأهداف، وهذه المؤسسات الوقفية الأهلية متممة أيضاً للجهود الرسمية لحكومة المملكة العربية السعودية التي دأبت على خدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان، ووضعت كل إمكاناتها وطاقاتها لخدمة العقيدة الإسلامية والتضامن الإسلامي، وقد بذلت وتبذل كل ما في وسعها في هذا السبيل حتى يتحقق لهذه الأمة ما تصبو إليه من عز ومجد وازدهار، وقد كان لنجاح الكثير من المؤسسات الوقفية الأهلية ما وجدته هذه المؤسسات من دعم مادي ومعنوي من الدولة -أيدها الله- استشعاراً منها لأهمية الوقف والأوقاف.