سلمان بن محمد العُمري
من الجرأة العجيبة لدى الكثيرين وليس البعض في هذه الأيام إطلاق الأحكام في المسائل الخاصة والعامة والفتاوى، ولا تكاد تجلس في مجلس عام أو خاص إلا تجد من يتصدى للحديث بالحلال والحرام، ويوزع الأحكام وكأنه شيخ الإسلام، ولربما كان هذا المفتري لا يفرق بين واجبات الصلاة وأركانها وشروطها، وهذه الصفة الذميمة والجرأة الممقوتة انتقلت مع الأسف من المجالس إلى مجموعات التواصل الاجتماعي عبر الواتس، وتويتر، والفيس بوك، وتقرأ وتسمع ممن لا علم ولا فقه ولا دراية ولا عقل لهم مسارعتهم في إصدار الأحكام وبدون طلب.
أين هؤلاء من تورع السلف الصالح مع ما لديهم من العلم والفهم فقد جاء رجل إلى عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- فسأله في مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ولم يجبه حتى ظن الناس أنه لم يسمع مسألته. فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟ قال: بلى، ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألوننا عنه!!
اتركنا يرحمك الله حتى نتفهم في مسألتك فإن كان لها جواب عندنا وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به. رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى.
وعن الأشعث قال كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان، ويقول ابن شبرمة لا دخلت على محمد ابن سيرين يواسط فلم أر أجبن من فتوى فيه، ولا أجرأ على الرؤيا منه».
وقال ابن وهب سمعت مالكاً يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا ولا أدركت أحداً اقتدي به يقول شيء: هذا حلال وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسناً، ونتقي هذا، ولا نرى هذا، ولا يقولون حلال ولا حرام، أما سمعت قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ}، الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله (جامع بيان العلم لابن عبدالرب). وهناك مسألة جُبن عنها الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- ولم يتجرأ على الجواب عنها، ومنها: أنه سئل إذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو باع أو اشترى؟ فقال: أحين عنه لا يصح من أمر السكران شيء (المغني لابن قدامه).
هذه نماذج يسيرة من أخبار كثيرة لتورع علماء الأمة عن الفتوى فكيف بهؤلاء المتسرعين بلا إدراك ولا علم وهم يتخوضون في المسائل ويتعجلون بالأحكام، ولو أن هؤلاء علموا خطورة ما يقومون به لتورعوا وأغلقوا أفواههم وحبسوا أقلامهم عن أحكامهم المتسرعة فالحلال والحرام ليست وجهات نظر نتناقلها في المجالس ونطرحها في مواقع التواصل بل هي مسائل شرعية وإخبار عن الله -عز وجل-، وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو تمعنوا من يقومون بذلك وعرفوه لبحثوا عن خلاصهم قبل كلامهم، وفي مأثور الحكم: من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
ومن يشارك في نقل الرسائل المتضمنة لأحكام شرعية من أناس جهال فهو يتحمل وزر ما أرسله ومن يرسل إليه ونشر الباطل. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر.