سلمان بن محمد العُمري
الأمانة من أجلّ الصفات التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، وهي كلمة واسعة الدلالة، ولكنها من أخص صفات المسلم الحقيقي؛ فهي أساس الإيمان، وشعار المؤمنين المتقين، وأولى الخصال التي تنعدم في المنافقين؛ لذا فلا يتصف بهذه الفضيلة العظيمة والمنقبة الجليلة إلا الصفوة القليلة من الأخيار، ممن شرفت نفوسهم، وعلت همتهم، الذين وصفهم الله -عز وجل- {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون}.
وليست الأمانة مقصورة على حفظ الودائع وأدائها إلى أهلها؛ فهي أشمل وأعم من حفظ الأموال والأعراض، وحفظ الإنسان لنفسه ولغيره من كل عمل وقول سيئ.. فتربية الأبناء أمانة، والعلم الذي كرم الله به البعض أمانة؛ وعليهم واجب التعليم، وتبيان الدين للناس، وألا يكتموا العلم. والمسلم مأمور بأداء جميع الأمانات على اختلاف ألوانها، سواء ما كان لله -عز وجل- أو للخلق دون تقصير ولا تفريط.
ومن الأمانات التي يستهين بها البعض أمانة المجلس، والمحافظة على ما يدور فيها من خصوصيات، أو حتى الأمور العامة. ولا يخلو مجلس من المجالس من أحاديث خاصة، وكذلك مجموعات التواصل التي نشأت مؤخرًا، ولها حكم المجالس. فمن الأمانة حفظ الأسرار فيها، وأن على مَن وقف على سر من أسرار الناس وأخبارهم، سواء علمه من صاحبه أو من غيره، أن يحافظ عليه، ويحتفظ به لنفسه، وألا يشيع الأخبار التي تسيء للناس، أو أن ينقل عنهم ما يسيء لهم ولغيرهم. وأخطر من هذا حينما يحدِّث إنسانٌ إنسانًا آخر ويأتمنه على سر أو حديث أو خبر خاص، ويعاهده على كتمانه، ثم يقوم الآخر بنشره وإذاعته. ومن حمل أمانة كتمان الحديث أو السر ثم أفشاه فعليه أن يحفظه ولا يذيعه وإلا كان ممن خانوا الأمانة والعهد. وأخطر من هذا أيضًا حينما يؤتمن الموظف على سر من أسرار الدولة وأسرار الناس، كمن يعملون في دوائر الأمن والقضاء وغيرها، ويقف على أحوال بعض الناس، ثم يذيعها وينشرها في المجالس، وكأنه نشرة أخبار. والبعض قد يوثق بعض الحوادث والقضايا بالتصوير ثم النشر، وهذا من خيانة الأمانة العامة أولاً، ثم التعدي على الحقوق الخاصة؛ فلا هو الذي حافظ على الأمانة والمسؤولية، ولا حفظ حقوق الناس الخاصة.
وعندما تُفقد الأمانة في المجتمعات فإنه يُفقد الأمن والطمأنينة لدى الناس، وتنقطع أواصر المجتمع، ويفشو الخوف وعدم الثقة بين أفراد المجتمع. ومع عدم تقبُّل الناس لمن يخون الأمانة فإنه منبوذ في ديننا؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له».
إن بعض الناس سبّاق في نشر الشر وإذاعته، ولا يأبه بحقوق الناس وخصوصياتهم.. وأنَّى سمع أو قرأ أو اطلع على سر من أسرار البشر أذاعه ونشره، بل لربما زاد في تعديه بأن يصور مجالس الناس وأحاديثهم وضيوفهم، ثم يسارع في نشرها وكأنه وكالة أنباء إخبارية، وينقل ما يدور في المجالس أو في المجموعات من حوارات وأحاديث دون إذن أصحابها.