رمضان جريدي العنزي
في مجتمعنا الكثير من النبيلات والنبلاء، يؤثرون الآخرين على أنفسهم، ويكسرون قيد الذات، وحواجز المصالح الذاتية، أخلاقهم عالية، ووطنيتهم صادقة، وسلوكهم قويم، ونياتهم صالحة، مبادرتهم سخية، ولهم عطاءات خالصة لوجه الله تعالى دون سواه، وهي كثيرة مختلفة ومتنوعة في مضامير الخير والإحسان والنفع العام، ناس جبلوا على الخير والعطاء، دماؤهم زكية، تجري في عروقهم الرفيعة، عندهم من الإيثار والمرؤة والنبل والسخاء الشيء الكثير، ومبادراتهم دائمًا كريمة، مواقفهم متميزة، ولا تمحى من الذاكرة، يفوح منها عطر الإنسانية، وشذى الصدق، يعملون بصمت وخفية، لا يحبون الخطب الرنانة، ولا الادعاءات العريضة، ولا يثقلون كاهل العباد بالنرجسية المفرطة، والأنا الحاضرة، ولا يتبجحون بما يفعلون، غير مغرورين بالذات، ولا مزهوين بالأنا، ولا هم منتفخين بالنرجسية، ولا مفتونين بقصائد المديح والإطراء، لهذا استحقوا بجدارة الأكبار والاجلال والاحترام والتقدير، وأخذت الألسن تلهج بذكر أعمالهم الإنسانية الجليلة، إكبارها والثناء عليها، بعيدًا عن الضجيج والمزاحمة، أبطال في معسكر الصمت، تتجلى بطولتهم بأنهم لا يبتغون من الناس أجرًا ولا سنابًا ولا استقرامًا ولا مدحًا، بل يريدون الله جازيًا ومثيبًا، عزفوا عن حب الظهور، وزهدوا فيه، وابتعدوا كثيرًا عن الأضواء والبهارج ومفرقعات الكلام، والعناوين الفخمة، ورفضوا الألقاب الضخمة، والصفات الباهرة، كل ذلك إمعانًا في الخلوص والإخلاص، هؤلاء هم مرايا الحياة الصافية، ما عندهم أعوجاج سليقة، ولا تحريف حقيقة، ولا نظرة قاتمة، ولا يزيفون الحقائق، ويكرهون الأباطيل، مباركون أين ما ذهبوا، ومباركون أينما حلوا، نفوسهم جبلت على الخير والبر والكرم والأريحية، متخذين من الإحسان إلى الناس، والسعي في قضاء حوائجهم، وإسداء المعروف لهم مسارًا ثابتًا لا يحيدون عنه، لا يكلون ولا يملون، ولا يصابون بالأوصاب والتعب، يتلذذون بصنيع ذلك، ويفرحون بمردوداته النفسية والأخلاقية والاجتماعية، أن مثل هؤلاء هم من يقبعون في النفوس، ويحتلون الوجدان بمساحات شاسعة، ويخلدون في الروح والذاكرة، كونهم ناهضون وساعون لإسعاف ومساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم، أنهم رواد في الأعمال الخيرية، والمبادرات الإنسانية، يعملون سرًا ولا يذيعون أخبار ما تبرعوا به وقدموا وعملوا، أن الله سبحانه وتعالى يمجد مثل هؤلاء في محكم كتابة الكريم: {وَيُطْعِمُونَ اطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}، هؤلاء نياتهم صافية، وضمائرهم حية، خالية من كل الشوائب والأدران والنفاق والتلون والرياء، أن مجتمعنا ولله الحمد غنيا بهذه الرموز الطيبة، لهم عطاءاتهم الخالدة، وعندهم تميز في السمو والتألق، والمنح والإخلاص، وهم أصحاب النزعة الراقية الموضوعية، الرافضة لكل الادعاءات العريضة، التي لا تقبل الضوء والتصفيق والبهرجة، والإعجاب بالنفس والعمل، مطلقًا هؤلاء النبيلات والنبلاء لا يبتغون من الناس شيئًا، سوى الأجر والمثوبة من الله تعالى، والعاقبة الطيبة الحسنة، يقدمون بسخاء وسرية، بقلوب سليمة، ونوايا حسنة، ويخافون يوم الآخرة المهول الثقيل، يحفظون الآية الكريمة ويرددونها ويعملون بها {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، فلله درهم، وكثر أمثالهم.