رمضان جريدي العنزي
(الرجل العربي عنده 60 مشكلة؛ فهو يعتقد أن رجولته مرتبطة بشواربه أو عصاه أو هل الناس يخافون منه أم لا يخافون منه؟ أو أن الرجولة مرتبطة بكونه لا يتحدث مع أولاده، أو اللي يرش عليه ماء يرش عليه دمًا). أنا لم أقل هذا الكلام، بل قاله الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته -. نعم، الرجل العربي ما زال يقبع في الحيز الضيق، وينظر إلى الفضاء من الفتحة الصغيرة.. ما زال الرجل العربي نرجسيًّا وأنانيًّا وذاتيًّا، يريد أن يكون عنترة بن شداد، والمتنبي، وقيس بن الملوح، وحاتم الطائي، وهتلر، ونيلسون مانديلا، والفارس والشجاع والبليغ والحكيم وصاحب (الطناخة).. يريد أن يجمع المضادات كلها في سلة واحدة، وأن يعيش الشخصيات كلها في آن واحد، وأن يرتدي الثياب كلها مرة واحدة، وهو القابع في الزاوية البعيدة، يعيش الوهم والتوهم والتخيل، ونسي أن الرجولة لا تكمن في الشارب، والعصا، والصوت العالي، والإخافة، ولا تكمن في (الهياط)، و(الطاووسية) والتكبر، والكرم المفتعل المصور، واجترار الماضي الدفين بكل حالاته وتنوعاته، ووضع معايير جديدة في الوصف والاتصاف، والصوت والصورة، ولا تكمن في لون البشت والهندام والبيت والمركب.. إن هذه الأشياء هي التي أضاعت الرجل العربي، وأبعدته عن حقيقته ونفسه وأصالته. إن الرجل الحقيقي هو صاحب الموقف والكلمة والأخلاق والقيم والمبادئ، يصون العِرض، ويتمتع بالحكمة والعقل والمنطق. الرجل الحقيقي هو الذي يحترم الآخرين، ولا يتسبب في إهانة أحد.. يملك النخوة العربية الأصيلة، وليست النخوة المزيفة.. يقدم يد العون للآخرين قبل أن يطلبها هو لنفسه، ويسارع لدرء المخاطر، ويكفها عنهم. الرجل الحقيقي هو من يفهم أن الرجولة لا تعني الصوت العالي والعصبية والزمجرة، بل تعني الصبر والجَلَد والثبات عند الملمات. الرجل الحقيقي هو من يقدر والدَيْه ويحترمهما أشد وأبلغ الاحترام.. يقف احترامًا لهما ويُصغي، ولا يقل لهما أفٍّ، ولا ينهرهما، ويقدر عائلته، ويضحي من أجلها مادة ومعنى، لا يتركهم على الهامش دون متابعة ومراقبة ومساءلة وتفقُّد، ولا يذيقهم صنوف العذاب والحرمان.. يصل رحمه، ويبرهم، ويتقرب إليهم. الرجل الحقيقي هو من يتخذ من تعاليم دينه أساسًا لانطلاقه في الحياة، يخشى الله، يذكره ويشكره، يسبّح بحمده ويعبده. الرجل الحقيقي هو البلسم الشافي لجراح الآخرين وتخفيف آلامهم، يؤثِر الآخرين على نفسه ولكان به خصاصة. الرجل الحقيقي هو من يخاف على وطنه من الأعداء، ينافح عنه، ويدافع في السر والعلن، ولا يرضى عليه الشر والحيف والجور والضيم. الرجل الحقيقي هو الذي يحافظ على الأمانة، ويؤديها، ولا يقترب مطلقًا من الحرام، ويبتعد عن المشتبهات. الرجل الحقيقي لا يسعى للخوض في الأنفس والأعراض، وينبذ الهمز واللمز والمكيدة. الرجل الحقيقي هو الذي لا يختبئ خلف الأقنعة، ولا يتظاهر بأنه شخصية كاملة، ولا يحاول الظهور بصورة مغايرة عن واقع الحال. الرجل الحقيقي هو النزيه الصادق المخلص الوفي المستقيم.. إذا وعد أوفى، وإذا حدَّث صدق، وإذا ائتُمن لا يخون. الرجل الحقيقي هو الذي يرفض أن يُحمد بما لا يفعل، يحب البر والخير والإحسان، ولا يشتري المدح والإشادة بالمال. الرجل الحقيقي هو الذي لا يسوّق نفسه في كل وقت وحين ومناسبة ومجال.. من اجتمعت به هذه الصفات أو زادت إيجابًا فهو الرجل الحقيقي، وما عدا ذلك يعد هراء و(هياطًا) وضجيجًا وجلبة و(فشخرة) كاذبة.