رمضان جريدي العنزي
صاحبي مصلح، ما أوهمه المال يومًا ولا غير الحال فيه، ولا سعى لاجتذاب المديح، ولا فكر أن يشتريه، ولا جعل من القصيد الممجوج سلمًا يرتقي فيه، ولا دار بدروب السراب، وما كبلته نرجسية الأنا، وما فرط في همته لحظة، ولا في الظنون سرى، وما جعل المبادئ كالأثاث تباع وتشترى، وما قال كغيره بأنه فوق السحاب، وهو في الأرض مثل الجراد، يلتهم الزرع قبل الحصاد، أو كحادي عيس في أرض الفلاة، لا يعرف غير ترديد القصيد، لا يحبذ الأبواق، ويمقت الطفيلي، ولا يشتهي المزمار، ولا يعشق التجمعات الخائبة، ما اتكأ يومًا في حياته على الهواء، وما عاش في تفاصيل المزاج، ما تسلق الأبواب، ولا طرق النوافذ، وما عبأت روحه رياح سموم الكلام، صاحبي كان، وصاحبي يكون، ويظل صاحبي حتى الممات، ويجمع بيننا تفاصيل البياض، وتفاصيل النقاء، ولنا رؤية واحدة، ما أرهقنا شاعر طفيلي يبتغي عندنا قول المديح، وما همنا، ولا هز شعرة من رأسنا، ولا عندنا دنا، نركض في النهار سعيًا في فجوج الأرض، وفي الليل نطبق أجفاننا حالمين بصباح جميل، نسافر إن ابتغينا معًا، وإذا أردنا نسافر فرادًا، نضاجع أحلامنا بتؤدة، وما مسنا لغوب، ما طاف النعاس على أعيننا كثيرًا، مثل ما يطوف على النار الهنود، نركض في حقول الحياة، نغازل الأطيار، ونقيم كرنفالاً للربيع، ولنا خطواتنا الثابتة، نعشق الفجر، ونهوى الساعة الخامسة، ولا نتكئ على الجدار القصير، ولنا أحلامنا التي تشبه لون البنفسج، ورائحتها التي مثل الياسمين، ونمقت أن نكون مثل ذاك العبثي الذي يلوك الكلام، ويرميه على عواهنه، ويتشح بالأنا، وفي كل مجلس يعيد نفس الكلام، ويتمنطق بالفلسفة القاصرة، والكلام العتيم، دون نتيجة باهرة، وينفخ دائمًا في نفسه كالضفدعة، هي الحياة علمتنا أن لا نلوذ بالجدار القصير، ولا نصدق مديح الكاذبين، ولا نرتدي مجالس النم والذم، ونتركهم في سردهم يعمهون، ونعرف جيدًا من هو الرجل الصفيق، الذي يجيد لبس الأقنعة، ومن هو الرجل الطاهر العفيف، ونميز لغو الحديث من الصحيح، وعندنا قدرة فائقة في اكتشاف العدو اللدود، ونعرف الصديق الصدوق، وما كل كلام صحيح، وما كل خطاب جليل، ولا نزدري أحدًا، ولا يعجبنا الطرير، وعندنا قناعة فائقة بأن الرجل ليس بزيه، ولكن زيه عقله وأخلاقه وفكره، ونعرف بأن ما كل فيلسوف حكيم، وما كل غني كريم، وما كل مدعي الحقيقة يقول الحقيقة، غرة الصبح مبتغانا، والعمل الفريد، تاركين لغيرنا مضاجعةالحلم القصير، والأمنيات الخاسرة، فلا نحن تماسيح خادعة، ولا نذرف زيفًا كثيف الدموع، ونمقت أن نقول الكلام الذي لا يفيد، أو أن نلبس ثيابًا لا تليق بنا، ولنا في السهول والحقول حياة، لنا النهار ولنا المدى، ونبصر بحدة طريق الهدى، نشاكس الغيم، ونطرب لهديل الحمام، وصوت اليمام، ونزرع بذور الحب في كل موسم، نقاوم عصف الرياح، حتى ما نالت منا ريح، تفردنا بالإخاء والوئام، وما كسر فينا الخواء نداء، نتهجا الاصطبار لنواجه رياح السموم في موسم الرياح، ولنا حنين تتبرعم أنفاسه عندما يستفيق الحنين، يعشب في راحتينا الغمام، ونعشق شمس البحر في الفجر وعند الغروب، ودائمًا ما نعوذ برب الفلق، من شر ما خلق، ومن شرور الرزايا والمحن والنفاق والدجل.