رمضان جريدي العنزي
أن تكتب موضوعاً هاماً ومهماً كـ(الدية) مثلاً، والاصطفاف مع قاتل طائش، استهان بالقتل وسفك الدم الحرام، وترك صاحب الحاجة والمعسر والمريض، والأرملة والمسكين، بقصد أو من غير قصد، ثم تأتيك الاتهامات الباطلة جزافاً، وفق كلام عبثي وعشوائي غير منطقي، وتفسير غير صحيح، ودون تمحيص وتدقيق في لب الموضوع وغايته وهدفه ومراده، فهذا يعني الفشل الواضح والذريع في فهم المغزى والمراد والهدف والمبتغى، وتنم عن عقل رابض في الوهن لا يقبل التحرك والتفكير، ونية رمادية غايتها السوء والمكيدة. أعرف جيداً أن أصحاب هذه العقليات الراكدة الواهنة لا يصدّقها أحد، كونها قد طواها الزمن طياً وتجاوزها بمسافات بعيدة، وهذا عزائي بهم وفيهم. إن التشدّق بالأراجيف والأكاذيب، ومحاولة البروز على حساب الحقيقة والواقع، والتسلّي بالأحاجي العتيقة، والأساطير القديمة، والقصص المركبة، مع وضوح الدلائل والحقيقة والبراهين في طرح المواضيع، هو فعل الكسالى الفاشلين المتكلّسين، القابعين في زوايا الفشل والكسل والتكلّس الضيّقة والمعتمة، الذين لا يقدّمون للوطن والأمة والمجتمع سوى الكلام الباهت الرخيص، محاولين تسويقه للناس على أنه كلام جليل، وفي واقعه وحقيقته لا يُشترى ولو بثمن بخس. قليلاً من العقل والحكمة وبعد النظر أيها المتشدِّقون، فلن يصدقكم أحد إلا أنفسكم. أن التقعّر الفكري موجود في كل زمان ومكان، وأصحاب الفكر المتقعِّر لهم قدرة فائقة على اللف ودوران، ولهم عجز بائن عن فهم المراد من الكلام، وإن حاولوا إبراز أعمالهم الضيّقة الواهنة من خلال تمنطّق لغوي باهت، ولغو كلامي غير حسن لا مفيد ولا بليغ، وبعيد جداً عن عمق المعرفة بلغة الضاد. إنهم يريدون أن يبنوا لهم مجداً مزيفاً على حساب الحقيقة، وذلك من خلال المراوغات الكلامية الباهتة، وقصور الفهم، وانفصام الشخصية عن الواقع. إن التقعّر الفكري هو أبشع أنواع التقعّر على الإطلاق، ومن هنا كانت البلية العظمى أن يتوالد هؤلاء ويتكاثروا ثم يصيحوا، وهم الذين للتو خرجوا من شرنقاتهم الواهنة. إننا اليوم ونحن نخوض غمار التجديد، في عصر التجديد والقيادة الواعية التي لا تعرف للطموح سقفاً سوى حدود السماء، والمرتكز على الحزم والحسم والعزم، بأمس الحاجة للطرق بعقل وحكمة وروية على مواضيع هامة تخدم بلدنا وأمننا ومستقبلنا وتحصِّن أجيالنا من مفاهيم خاطئة وأعمال عابثة، وبأمس الحاجة لرص الصفوف، وتلاحم القوى، والتعية بعظم ومخاطر القتل وآثاره السلبية المدمّرة المادية والمعنوية على الأسرة والمجتمع، ووجوب الاصطفاف مع أصحاب الحاجة والفاقة، وتفقدهم والسعي لهم ومعهم بشكل دائم ودؤوب. إننا نعيش في عصر جديد لا مكان فيه للتقعّر العقلي والفكري والمنطق الأعوج والفهم القاصر، رافضين بشكل قطعي كل من يحاول إيجاد ثغرات في جدار التلاحم الوطني المتين، بأي فعل كان، وبأي لغة كانت، وبأي طريقة وأسلوب. إن من أروع صفات الإنسان وأنبلها هو تقبله للنقد الهادف البنّاء، وتفاعله مع هذا النقد بصدر واسع ورحب، بعيداً عن الاعتراضات والمؤاخذات والمحسوبيات التي لا تمت للحقيقة بأي بصلة، ولا تؤدي لنتيجة قويمة وباهرة. ويبقى الكاتب العاقل الحصيف هو ضمير الأمة ولسانها المعبّر عن قضايا المجتمع وهواجسه وآلامه، بعيداً عن لغو الكلام وبهته وأراجيفه وسوئه.