رمضان جريدي العنزي
فوضى التحليل لا تختلف عن فوضى الأفكار، وعبثية القول لا تختلف عن عبثية الفعل، لقد غاب التأصيل الحقيقي للقضايا المختلفة والأشياء، وكثر المحللون وتنوعوا، ولم يكتفوا بوصف أنفسهم بالباحث والمحلل، بل أضافوا لأنفسهم خبيرًا إستراتيجيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا في مؤشر على استسهال عملية التحليل بكل تنوعاته، لقد غاب عن هؤلاء أهمية التخصص في الشيء ذاته، أن لدى البعض من المحللين الجرأة في تناول شأن القضايا شبيهة بالجرأة على الفتوى واستسهال أحكام فقهية من عامة الناس دون الرجوع للمختصين في ذلك، وهذا الأمر يترتب عليه آثار خطيرة، أن تحول غير المختص إلى خبير سياسي وخبير اقتصادي ومحلل للقضايا الدولية ويتصدر وسائل الإعلام دون أن يمتلك الأدوات التي تمنحه شرعية التحليل فهنا تكمن الخطورة، ويكمن العبث، كونه يروج لآراء تعبر في الأغلب عن انطباعات وهمية وعشوائية، تفتقد للمعرفة المتخصصة الدقيقة وليس لدى صاحبها رصيد سوى متابعة الأخبار والمواقع والبحث في جوجل، وامتلاك القدرة على الكلام والتفوه والتمنطق، أن جرأة البعض من المحللين على التسابق إلى شاشات التلفزيون وتنقلهم من محطة إلى أخرى، ليس سوى تعبير عن رغبة ذاتية في الحضور بغض النظر عن مخاطر الطرح والتنظير الكلامي البحت، وبعيدًا عن حقيقة المعرفة، والتخصص في المادة والموضوع والتمكن فيهما، لا بأس أن يتحدث هذا (المحلل) على بعض الأحداث الصغيرة حسب معرفته المحدودة والضيقة، لكن أن يتجرأ وهو غير متخصص في المادة والحدث ولا يملك أدوات التحليل والمعرفة الكاملة الكافية على تحليل جوهر القضية، فهذا أمر خطير وضار بالمصلحة ومسيء لصاحبه، أن المشاهد أصبح الآن واعيًا علميًا ومعرفيًا وثقافيًا ولدية ذكاء تام في الفهم والاستيعاب والتقبل، ويميز بين الرأي المتخصص، ورأي غيره مما لا تخصص لهم سوى إجادة الكلام وتهذيبه وتنميقه، أن البعض من هؤلاء يبسط الحدث، وبعضهم يهوله، والبعض الآخر يأتي بالطامة الكبرى، أن من يتابع القنوات سيجد بأن هؤلاء قد سجلوا رقمًا قياسيًا في الظهور غير المبرر، رغم أن ما عندهم معرفة تامة في المادة والبحث والموضوع، وفي الوقت ذاته لديهم الجرأة الكبيرة على التصدي للقضايا كافة بكل تنوعاتها ومشاربها، يجيدون الكلام فقط، ولديهم رغبة عارمة في الظهور، بعيدًا عن التحليلات والتفسيرات الصحيحة الدقيقة والصائبة، أن على الأجهزة والوسائل الإعلامي تحمل المسؤوليالتامة في عدم استضافة هؤلاء الذين في تحليلاتهم الكثير من الخطأ والتصورات القاصرة، التي تضر بالوطن، أننا بحاجة فعليه إلى خبراء حقيقيين كلاً وفق تخصصه، يوضحون لنا حقائق القضايا وفق مادة علمية صحيحة مبنية على الفهم السليم والطرح القويم، أن عملية التحليل هو البحث في الاحتمالات الممكنة لمسار التفاعلات والمبنية على قاعدة معرفية وعلمية واضحة، أن المحلل الناضج معرفيًا وعلميًا هو الذي لديه قواعد ومعايير وأسس صلبة، وهو الذي نريده ونطلبه ونبتغيه، لا المحلل الفوضوي الذي لا علم عنده ولا دراية سوى حذلقة الكلام، وتزيين المنطلق، وفق خلفيات معرفية قاصرة وغير دقيقة استقاها من العم (جوجل)، أن التحليل علم وفن لا يتقنه سوى القلة القليلة من المختصين والخبراء، الذين لديهم معلومات كثيرة وصحيحة ومصادر متعددة، والذين لا يبالغون ويبتعدون عن لغة العاطفة الزائدة، ومن يملك هذه الأشياء يصبح تحليله صائبًا، وقريبًا من الدقة والحقيقة، أن المعرفة والثقافة والتخصص والدقة وبعد النظر والتجرد من العاطفة والبعد عن المبالغة والقدرة على الإقناع هي مواصفات وإمكانيات المحلل الناجح، وما سواه مجرد دعابة عابرة، ونكتة سامجة ملوثة، لا تضيف للمشاهد والمتلقي أي إضافة حقيقية تشبع رغباته المعرفية والثقافية.