أ.د.عثمان بن صالح العامر
كان الله في عون المرأة والفتاة السعودية ذات القناعات الخارجية تلك التي تهتم بما سيقال عنها: شكلها، لباسها، شعرها، مكياجها، حليها، كعبها... وهو الغالب في جنس النساء بل الأصل فيهن إلا ما ندر والنادر لا حكم له، فهي على سبيل المثال تبذل جهداً مضنياً، تمضي الليالي والأيام الطويلة التي قد تتجاوز الستة أشهر من أجل الظفر بفساتين تلبسها لمناسبات الزواج في مثل هذه الليالي من كل عام.
تبدأ الرحلة الشاقة باختيار القماش لوناً ونوعاً وسعراً، وهذا الأمر ليس سهلاً كما يظن البعض بل يحتاج منها أن تذهب إلى السوق مرات عديدة وتمر على جل محلات بيع القماش وربما اضطرت للسفر إلى المدن الرئيسة المعروفة (الرياض وجدة والمنطقة الشرقية)، وقد تتعدى الحدود للكويت ودبي وغيرهما وربما سافرت إلى لندن وفرنسا بحثاً عن الجديد والمتميز الذي لم تره على أحد، وتطمع وتتمنى ألا يسبقها إليه أحد وقد تكون حين لهثها هذا واقعة تحت تأثير التضليل السنابي التسويقي الذي لا يخفى.
بعد شراء القماش تأتي المرحلة الأصعب ألا وهي اختيار الموديل، وهنا من الضروري أن تكون لديها ثقافة واسعة في هذا الفن المتلاطم الأمواج، أو أنها تستشير قريباتها وصديقاتها اللاتي لهن معرفة وتميز في التصميم ويتابعن المواقع المتخصصة والكتالوجات الجديدة حتى تجد ما يناسبها جسماً وسناً ومقاماً وربما وكلت الأمر للعاملات في المشغل إذا توفر فيه مصممة متخصصة.
أما الثالثة من هذه المراحل المتداخلة فهي أشد وأنكى من سابقتيها ألا وهي الظفر بمشغل أو خياط يفهم تفاصيل ما تريد هذه المرأة أو الفتاة، ويضبط المقاس، ولا يفسد عليها فستانها، ويكون دقيقاً في مواعيده صادقاً في التزامه، والأهم يكون سعره معقولاً وليس مبالغاً فيه، وهذا الأمر ليس من السهولة الحصول عليه، ولذلك تجد الفستان يذهب ويعود للمشغل أو الخياط مرة ومرتين وربما احتاج الأمر الذهاب للمرة الخامسة.
لم تنته الحكاية بعد، إذ إن الفستان الذي شوهد عليها في مناسبة ما لا يلبس لنفس النساء في مناسبة أخرى حتى لو كان الزمن بين المناسبتين سنة أو أكثر، وليست الفساتين واحدة، إذ إن هناك ما هو فستان زواج وآخر للمناسبات الاجتماعية العامة وثالث للعائلة ورابع... وخامس... إلخ.
أما عن البنت التي لم تبلغ مبلغ الكبار فأهلها يعانون الأمرين حين البحث لها عن فستان تحضر به مناسبة أخيها أو أختها، إذ إن كثيراً من الفساتين الجاهزة لا تتوافق مع سلوك شريحة عريضة من الشعب السعودي ولذلك تضطر الأم أن تشتريه بمبلغ وقدره، ثم تحاول أن تعصر ذهنها لتضيف عليه وتعدل حتى يتوافق مع اللبس المرضي في التركيبة الاجتماعية التي تنتمي لها.
معاناة فرضتها العادات والتقاليد الاجتماعية التي جعلت مناسباتنا الاجتماعية عبئاً اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، وأملتها نظرة المجتمع النسائي للمظهر والجوهر في المرأة، فهل تستبدل المعايير وتتغير المفاهيم فتصبح القناعات داخلية لا خارجية، والجوهر الفعلي للمرأة أو الفتاة، والمظاهرالحقيقية لا الخادعة والمزيفة هي المقياس والمعيار دون سواهما، أتمنى ذلك كما ينتظره الكثير، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.