أحمد المغلوث
حاول الوصول إلى صحن الحرم لكنه لم يستطع كان الزحام على اشده مئات الألوف من المعتمرين والمصلين أخيراً وجد له مكانا في أحد الأروقة ولكن بجانب سجاد الصلاة الأخضر المزهر وبعد أن صلى ركعتين وقبل أن تمتد يده لأخذ أحد المصاحف ليقرأ شيئا من سور القرآن الكريم. شعر بأنه يسمع حديثا هامسا ولكنه غير مسموع لغيره إنها لغة صمت حسية لا يعرفها ولا يسمعها أو يفهمها إلا من كان ملما بلغة الصمت, وعارفا بأساليب الحس قادرا على استيعاب أدق ما في الصمت من معان مرهفة رقيقة وعلى الأخص في هذه الأجواء الروحانية وأين في بيت الله الحرام. كان حديثا مشبع بالروحانية واللذة بل يكاد أن يكون حديثا فلسفيا فيه ما فيه من المعاني. دار بين كل من سجاد الحرم وأعمدة وأرضية الرخام. بادية قالت أرضية الرخام باعتزاز: أنا وبفضل من الله أفخر بأني أكسيت بنوعيتي الممتازة والثمينة مختلف أرضيات المسجد الحرام بل إنني أساهم في التخفيف من حدة الحر في فصل الصيف بما نفذ من تحتي من خطوط تبريد ساهمت في برودتي وشاهدوا لوني الأبيض المشرق بالنور والفخامة والتميز. فقاطعته أعمدة الرخام الضخمة والتي تحمل على أكتافها أدوار أروقة المسجد الحرام بما فيه الصفا والمروة: لست وحدك التي تعتز فأنا لي الشرف أن أحمل أعمدة ومباني وقبب هذا المسجد العظيم. إنني وعلى مدار الساعة ومنذ تم تطويره مع بداية العهد السعودي الميمون وأنا وحتى أبنائي وأحفادي من الأعمدة التي لا تعد ولا تحصى والتي تتوالد مع كل توسعة سعودية جديدة. جميعنا نحتضن هذا الحرم الشامخ والسامي بوجود بيت الله فيه وبكل اقتدار وفخر وقوة مئات الملايين من المسلمين القادمين من مختلف دول العالم. كل يوم بل كل ساعة. صحيح أنك من بنات جنسي وتنتمين إلى ذات النوعية. لكنني الأميز بقوامي وطولي وبما أحمله من تيجان ومقرنصات وزخارف وحتى قباب ضخمة تزينها الآيات القرآنية الكريمة والزخارف الإسلامية.. فجأة سمعا صوت مبحوح يقول في صمت: خلاص يا أهل الرخام نسيتموني فأنا السجاد الثمين الذي لم تبخل وزارة الحج الموقرة على دفع عشرات الملايين من أجل أن أكون على أرضيات المسجد. إنني وبكل عظمة وفخر مصنوع من أفخر أنواع السجاد. لأساهم في راحة المصلين خلال صلاتهم بل إنني أعتز أكثر بأني أكاد أسمع دعاؤهم خلال سجودهم بل كم بللت صوفي وخيوطي دموع الملايين من المصلين وفي مختلف أوقات الصلاة بل هناك من يبكي بحرقة وهو يدعو الله مخلصأن يتوب عليه وأن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أنتما لاتسمعان ما أسمعه ولم تتبلل أجسادكما الناعمة بدموع المصلين والمستغفرين والتائبين. فردت عليه أرضيات الرخام بعدما تنحنحت وقال: حيلك حيلك لقد طاشت بك العاطفة واندفعت لتعبر عن شجونك ومشاعرك وتناسيت أيها السجاد الغالي إنني أنا الذي أحملك على ظهري.. صحيح أنك تتغير بين فترة وأخرى بسجاد جديد. وهذا يعني أن لك عمرا محدودا. أما نحن ولله الحمد والمنة. حياتنا مستمرة فنحن أسرة الرخام التي لا تغفو ولا تنام. يكفيها فخرا وجودها في المسجد الحرام. أليس كذلك. عندها قطاعتها أعمدة الرخام وقالت: حسنا يا أختاه لقد أحسنت قولا ولكن جميعنا هنا نعيش أسرة واحد في هذا المكان الطاهر وبها نموت ومنها وجدنا في هذه الحياة لنساهم جميعا في تألق بيت الله وفي روعة وجمال، وإذا شاءت أن تسلبنا أنفاسنا تلاشينا في قناعة واستسلام وهناك من يأتي غيرنا من الأبناء والأحفاد لإكمال المسيرة.. وأجاب السجاد والأرضية الرخامية نعم هكذا حياتنا ونحن بها سعدا ولنا الشرف الكبير وأن قيمتنا الحقيقية أن نكون هنا بكل سعادة وحب وهنا. وتوقف الحديث الصامت عندما نادى المؤذن للصلاة..؟!