سعد بن عبدالقادر القويعي
في مواجهة الأوضاع المعقّدة السائدة في الشرق الأوسط، أعلن محرر افتتاحيات صحيفة «واشنطن بوست» بالإنابة جاكسون ديل: «أن تكلفة سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه سوريا باهظة جداً، وواضحة للجميع إلا هو»، وأعرب ديل عن دهشته لقول أوباما مؤخراً لمجلة «أتلانتيك» الأمريكية، إنه: «فخور بقراره ذلك حول سوريا»، ووصف الكاتب عبارة الرئيس تلك، بأنها: «مجرد عجرفة للدفاع عن النفس»، وتشير - أيضاً - إلى «جهل أصيل» مصاب به أوباما، أو «حالة نكران لنتائج قرار»، من المؤكد أن يعتبره المؤرّخون لاحقاً واحداً من أخطائه المصيرية الحاسمة.
تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة مفصلية في تاريخها، - ومن دون استثناء - فإن الدروس المستفادة من التجارب الأمريكية على أرض الواقع، تدعو إلى منع انزلاق الأوضاع في المنطقة نحو حالٍ من عدم الاستقرار، والفوضى؛ ولأن السياسة الخارجية الأمريكية تأتي في سياق إطالة أمد النزاع؛ من أجل فرض واقع يقبل به الناس على الأرض، شريطة أن يكون واقعاً طائفياً جديداً، فإن التاريخ سيسجّل لعنة كبرى تطارد الساسة صنَّاع القرارات الفاشية؛ لأنهم سيكونون سبباً أساساً في إضعاف الولايات المتحدة الأمريكية، وانحسار نفوذها في المنطقة.
شَهِدت منطقة الشرق الأوسط حروبًا متتالية، وقد أدّت الولايات المتحدة دورًا أساسيًا، أو ثانويًا فيها بعد أن صنعت أوضاعًا أكثر تعقيدًا في المنطقة. كما وصلت الإدارة الأمريكية إلى طريق مسدود في سياستها مع الشرق الأوسط؛ تبعاً للظروف المتقلبة. ولذلك ليس من المستغرب دعم واشنطن للجماعات الإرهابية، ورعايتها للإرهاب في المنطقة، - إضافة - إلى دعمها اللا محدود لنظام الأسد، وإضعاف مواقف الجيش الحر التابع للائتلاف السوري.
بالتأكيد، فإن أمريكا متواطئة فيما يتعلّق باستمرار الأزمة السورية، حين تحولت سياستها إلى سياسة المتفرج، بدلاً من المتدخل، وهو ما عبّر عنه أوباما، بأنّ: «سوريا ليست أولوية إستراتيجية»؛ فالولايات المتحدة لا تقيم أي اعتبار للدماء السورية، وما يهمها هو مصالحها، ومصلحة الكيان الصهيوني - فقط -. وعلى الرغم من العيوب العميقة في الافتراضات التي تقوم عليها سياسة الإدارة الأمريكية، كما يشير إليه تقرير «الواشنطن بوست» المنشور في 18 مارس 2016م، إلا أنَّ دعاة التدخل يعارضون الدفاع عن التراخي، ويجادلون بأنَّ سوريا لا تستحق كل هذا العناء، بل عادة ما يلجأ أنصار نهج الإدارة الأمريكية إلى الادّعاء، بأن الصراع السوري هو ببساطة صراع لا مركزي في المصالح الإستراتيجية الأمريكية. وعلى الصعيد السياسي، يجادلون بأنَّ سوريا كانت - دائمًا - خصمًا للولايات المتحدة. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإنَّ علاقة سوريا مع الولايات المتحدة عديمة الأهمية. ومهما كان ألم الصراع، فإنّ الولايات المتحدة لديها القليل على المحك في نتائجه.