سعد بن عبدالقادر القويعي
أورثت ندوة «جهود المهتمين والخبراء بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب» - قبل أيام -، في نفسي ساعات من الإحساس بالعزة، وأنبتت شعورا بالقوة المعنوية، وفتحت الأبواب العريضة من الآمال المشرقة؛ لأن المجددين في حياة الأمة كالعلامات المضيئة التي تنير الطريق للسائرين، وأحسب أن الشيخ - رحمه الله - حقّق الله له الآمال الطيبة، ونشر به الدعوة، وأيّد به الحق، وهيّأ الله له أنصارا، ومساعدين، وأعوانا؛ حتى ظهر دين الله، وانتشر الحق، وكبت الباطل، وانقمع، وصار الناس في سيرة حسنة، ومنهج قويم في سائر أحوالهم.
الأساس الذي بنيت عليه دعوة - الشيخ - محمد بن عبد الوهاب، هي فكرة التوحيد في العقيدة، المجردة من كل شرك، - إضافة - إلى فكرة التوحيد في التشريع، فلا مصدر لها إلا الكتاب، والسنة، وذلك في ظل دولة قادرة على تحقيق الأهداف، ويعني ذلك الاهتمام بالمجتمع المسلم من النواحي التعليمية، والتنظيمية ؛ ليكتمل توحيد الدين، وتوحيد الكيان، وبسط الأمن، والسير على نهج السلف الصالح .
وعلى هذا الأساس، بنيت جزئيات دعوة الشيخ، وفرعياتها على العقيدة، والروح، اللذان هما الأساس في إصلاح القلب، باعتبار أن صلاحه صلاح كل شيء، وفساده فساد كل شيء، وذلك من خلال إحياء ما اندثر من علوم الكتاب، ومأثور السنة، وتصحيح المسار في العقيدة، وتخلّيصها من شوائب البدع . وهذا منهج في الدعوة مهم، كما قال - معالي الشيخ - صالح بن حميد ؛ لأن الدعوة بلا سلطة، والحق بلا دولة، يفقدان الرعاية، والحراسة، والدعم، وهو نهج يجب أن يعيه المصلحون، والقادة، فإن الانفصال المروع بين الدعوة، والسلطان، والدين، والحكم، جرَّ، ويجرُّ على المسلمين الضعف إلى الضعف، والفرقة إلى الفرقة. وحين يستشري هذا الضعف يضطرب الأساس، ويتناقض الولاء، وترتفع نعمة الالتئام، وبركة الاجتماع، ولا يستقيم الحال في ديار المسلمين إلا بحكم يحمي جناب التوحيد، ويطبق الشريعة، ويرعى الدين، والعلماء.
من أهم أسباب نجاح دعوة - الشيخ - محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، أنها انطلقت من التوحيد، الذي هو أساس دعوة جميع الأنبياء، ووفَّت العقيدة حقها، ونبذت كل صور الشرك، والوثنية . كما أنها جسَّدت منهجَ أهلِ السنة، والجماعة في أجلى صوره، وسارت على خطى المجددين السابقين، وعلى معتقد السلف الصالح، والأئمة الأربعة، ومن تبعهم بإحسان، وهم في الفروع على مذهب - الإمام - أحمد بن حنبل - إمام السنة والحديث -، فلا يخوض في تأويل، ولا يتعمق في فلسفة، وإنما يقتدي بالأئمة من غير جمود .
بقي أن يقال : لقد تخطت دعوة - الشيخ - محمد بثمارها، وبركاتها، وآثارها حدود المكان؛ فملأت آفاق الأرض، وتخطت حدود الزمان؛ فتجاوزت القرن الثاني عشر إلى عصرنا الحاضر؛ لتتحول اللحظات التاريخية بالتقاء - الشيخ - في مدينة الدرعية - بالأمير - محمد بن سعود - رحمه الله -، وحصلت بينهما البيعة تاريخًا، وموضوعًا، ومنهجًا على نشر التوحيد، وإقامة حكم الله في الأرض؛ ولتشهد الدعوة بعد هذا التحالف المبارك أروع تحول فكري، وسياسي، واجتماعي في قلب الجزيرة العربية.