سعد بن عبدالقادر القويعي
كعادتها كل عام، تريد إيران تسييس فريضة الحج، وذلك فيما يتعلق بإحياء الشعارات السياسية، وتحريض حجاجها على تنظيم المسيرات، -إضافة- إلى وضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق نهائي، ينظم أداء الحجاج الإيرانيين لفريضة الحج للموسم المقبل، والتي لاتخدم الحج، والحجاج، بقدر ما تؤدي إلى تعكير صفو الحج؛ فإيران -مع الأسف- لا تجد حرجاً في تأجيج الصراعات الدينية في سبيل تحقيق مصالحها الدنيوية.
استنكار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المحاولات الإيرانية الهادفة إلى تسييس فريضة الحج، واستغلالها للإساءة إلى المملكة العربية السعودية حق مشروع. والأهم من ذلك، أن الممارسات الإيرانية في موسم الحج، أثبتت للعالم أنه لا مجال للخلط بين السياسة، والشعائر الدينية، بل المفترض أن تعبر الشعيرة الدينية عن هوية مشتركة. -ولذا- لا غرابة أن يكون الرصد الأمني الكبير للأوضاع داخل الحرم، وخارجه في المشاعر المقدسة، تعبر عن حزم سعودي على اجتثاث كل ما له علاقة بمحاولة تسييس الحج، أو يهدّد سيره العادي.
إن أبواب العداء المكبوت على مصاريعها، فتحتها إيران ضد السعودية عن طريق اختلاق خلافات سياسية في زيٍّ طائفي، جعلت من إيران الاستمرار في دعم الإرهاب بالأساس، الأمر الذي جعلها تتأرجح بين عقدة الخوف من التغيير، الذي يتطلب حكما القبول بالواقع، والتأقلم مع المستجدات، مما أكد على أن التناقض بين المواقف الرسمية الإيرانية، وممارساتها الفعلية، التي لا تسهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة، -خصوصاً- بعد أن انغمست في مؤامرات مسلحة ضد شعوب سنية، تبحث عن الاستقرار، والعدالة، ومحاولاتها المستمرة في تسميم الأجواء الداخلية بسياسات، وأفكار عقائدية -ذات بعد فئوي-، من شأنها أن تعمل على إذكاء الحروب الطائفية، والمذهبية، والإثنية بين الشعوب، الأمر الذي استدعى من السياسة السعودية الانتقال بها من سياق التأثر إلى التأثير، ومن الدفاع إلى الهجوم، والمبادأة بدرء الخطر قبل وصوله؛ علّ أن تعيد إيران حساباتها جيداً أمام موقف عربي موحد غير مسبوق -منذ عقود طويلة من الزمن-.
التوجهات الإيرانية النازعة إلى تسييس الحج، تسعى إلى اختلاق الأزمات وفق المصالح السياسية المرتقبة، التي تسعى إليها؛ من أجل الاستفادة من تسييس كل الأمور بحسب مصالحها. وحقيقة الأمر، أن الخطر الإيراني في المنطقة انعكست رسائله بوضوح لدى دول الخليج العربي، الرافضة للتدخلات الإيرانية، والمتمثلة في التدخل السافر في شئون عدد من الدول الإسلامية، وإحداث الفتن، والانقسامات، وإثارة النعرات الطائفية، والمذهبية، واستخدام الميليشيات المسلحة؛ لغرض زعزعة أمننا، واستقرارنا؛ ولغرض بسط النفوذ، والهيمنة، وهو ما يتطلب من دول المنطقة وقفة جادة؛ لمنع تلك التدخلات، وحفظ أمن، وسلامة عالمنا الإسلامي؛ لينعكس واقعاً عملياً نحو تأسيس موقف عربي موحّد، في ضوء إستراتيجية مُتكاملة -إعلامياً وسياسياً ودينياً وعسكرياً-؛ لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد.
لا تمتلك إيران رؤية حضارية واعدة، ولا مشروعاً نهضوياً جذاباً، بل هي سبب البلاء في المنطقة، وسبب الويلات، والقتل، والتشريد، والتهجير، والتدمير؛ ولأن إصرار إيران على التدخل في شئون المنطقة، وزعزعة أمن، واستقرار دولها موثق بالأدلة، والبراهين، فإن بغيتها في زرع الصراع الطائفي في منطقة دول الخليج العربي، ومحاولة تشييعه، يؤكده واقعا مشروع تصدير ثورة ولاية الفقيه في محيطها الإقليمي، وضمه إلى منطقة نفوذه. وهنا يكمن المأزق، في ضرورة دعم نهج الاعتدال في المنطقة، بما يسمح بمكافحة التطرف الإيراني.