سعد بن عبدالقادر القويعي
لم يسبق توجيه أي اتهام للحكومة السعودية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بل إن لجنة تحقيق خاصة بتلك الأحداث، قد أكَّدت أنها بعد تحقيقات، وتدقيق شامل لم تعثر على أي دليل بأن لمسؤولين سعوديين، أو أفراد سعوديين أي دور في الأحداث الإرهابية. كما جدد الرئيسان المشتركان للجنة التحقيقات في أحداث سبتمبر، وهما - الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي - «توم كين»، - وعضو مجلس النواب السابق - «لي هاميلتون»، أن المحققين لم يجدوا خلال تحقيقاتهم أي دليل يشير إلى أي دور للسعوديين في الهجمات. وقضت محكمة الاستئناف في حكمها، بأن قاعدة الاستثناء من الحصانة السيادية لا تنطبق في هذه الحالة؛ لأن وزارة الخارجية الأمريكية لا تدرج المملكة العربية السعودية في قائمة الدول الراعية للإرهاب. وهو ما أكدته - صحيفة - «نيويورك تايمز» في تحقيق نشرته في الخامس عشر من شهر أبريل، أن اللجنة التابعة للكونجرس الأمريكي، التي حققت عام 2002 م في هجمات 11 سبتمبر، قد خلصت إلى استبعاد: «تورط كبار المسؤولين السعوديين، أو جهات حكومية سعودية في تمويل المنظمة»، وذلك في إشارة إلى تنظيم القاعدة.
وعلى الرغم من سلسلة البراءات التي نالتها السعودية في عدة دوائر، وعدة قضايا، فقد ظهرت مجددًا ادعاءات جديدة؛ من أجل تمرير مجلس الشيوخ الأمريكي - قبل أيام - مشروع قانون، يتيح لذوي ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر مقاضاة السعودية، والمطالبة بتعويضات مالية ضخمة، إلا أن مشروع القانون الذي أقره مجلس الشيوخ بالإجماع، سيدخل الكونجرس في مواجهة مع البيت الأبيض، الذي هدد باستخدام حق النقض «الفيتو» ضد التشريع، حيث تضغط إدارة - الرئيس الأمريكي - «باراك أوباما» بقوة على الكونغرس؛ لمنع تمرير مشروع القانون.
قلق الإدارة الأمريكية من عواقب مسودة القانون، ناتج عن أن التشريع سيغير موقفًا طويل الأمد للإدارة الأمريكية، والقانون الدولي المتعلق بالحصانة السيادية للدول الأجنبية في الولايات المتحدة الأمريكية. ثم إن القلق لا يزال يعتمر -الرئيس- «باراك أوباما» من أن هذا التشريع يمكن أن يجعل موقف الولايات المتحدة ضعيفًا في الأنظمة القضائية الأخرى حول العالم؛ لأنه سيضع الولايات المتحدة الأمريكية، ودافعي الضرائب عندهم، وموظفيهم، ودبلوماسييهم تحت خطر شديد، فيما لو تبنت بلدان أخرى قوانين مشابهة.
تشير التقارير إلى أن عديدًا من وسائل الإعلام العالمي، قد كشفت عن دور للوبي الإيراني في الكونجرس، ومافيا التعويضات في الولايات المتحدة؛ لربط أحداث 11 سبتمبر بالسعودية؛ لابتزازها ماليًّا، رغم صدور حكم قضائي بتورط نظام ملالي إيران في الوقوف وراء الهجمات، وإلزامها بدفع تعويضات تزيد على 10 مليارات دولار لشركات التأمين، وأسر الضحايا. ويقضي الحكم الذي أصدره -القاضي- «جورج دانيلز» في محكمة في نيويورك، بتغريم إيران 10.5 مليار دولار، منها 7.5 مليار دولار لشركات التأمين، وأسر الضحايا، وثلاثة مليارات دولار لشركات التأمين، والأضرار في الممتلكات، والتسبب في التوقف عن العمل، وأسباب أخرى.
على أي حال، فإن موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون يسمح لضحايا عائلات هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة المملكة، هو عبث سياسي؛ من أجل الضغط على الدول التي تقف ضد سياستها في المنطقة، والسعي نحو الابتزاز المالي، -إضافة- إلى علاقة الأمر بالحسابات السياسية للإدارة الأمريكية؛ وليبقى الملف مفتوحًا يعاد تجديده بوسائل عديدة. ومع كل هذا الاستهداف الذي يظهر في وقت، ويختفي في أوقات أخرى، رغم وجود أدلة قاطعة منذ سنوات ببراءة السعودية في عدة جولات قضائية حاسمة، تم بناء عليها غلق الملف؛ حتى أعيد طرحه مجددًا بشكل مريب، فإن السعودية تسير بخطوات ثابتة في سياستها الخارجية، على الرغم من الخلافات في وجهات النظر مع أمريكا في قضايا المنطقة. وبعيدًا عن المساعي التشريعية الرامية إلى دفع مشروع القانون إلى التطبيق، فإن الحكومة السعودية -نفسها- تدعم رفع السرية عن أوراق التحقيق، التي لم يتم الإفصاح عن تفاصيلها بعد، رغم تبرئتها من قبل المحكمة.