سعد بن عبدالقادر القويعي
تحتوي ذاكرة المكان ذاكرة الزمان، فلا معنى لزمان بلا مكان؛ ليأتي مساء يوم الأربعاء الموافق للحادي عشر من شهر مايو 2016 م، ناقلا لنا خبر اللحظات الفاجعة، وانتقال مذيع التلفاز السعودي ماجد الشبل إلى رحمة الله، تاركاً وراءه إرثاً ثقافياً كأحد أبرز رواد الإعلام، والثقافة الذين ساهموا في صناعة الإعلام السعودي، بسيرته العطرة من الكفاح، ومسيرته الوارفة بالإنجاز.
رغم فارق العمر الكبير بيننا، إلا أنني تعرفت على صوته منذ منتصف التسعينيات الهجرية، فقد كان صوته آسرا، ولغته فصيحة، وهدوئه مسكونا؛ فظللت كلما سمعت صوته المتهدج، أهيم في تلاقٍ روحي معه، لمّا يزل في ذاكرتي حاضراً متوهجاً، إذ لم أسمع في حياتي لأجمل من حنجرته الذهبية، ولم تبهرني أعظم من ذائقته الأدبية؛ فحسن صوته سجية في مسلكه عريق، وطبع أصيل غير متطبع؛ لأنه أحب عمله فأخلص له، وحمل الكلمة الصادقة من الإحساس المرهف مع رزانة العقل، ورجاحة الموقف، مع حرص على المنهج القويم في الصلاح، والتقوى الذي سار عليه.
حقيقة شخصيته الإنسانية الراقية كسبت بأخلاقها الحميدة احترام الناس، وفرضت بخصالها الجميلة تقدير الرفاق؛ لأنه كان على خلق عظيم في صلاته الراقية، والتي ارتبطت بأروع، وأنقى الأواصر، إذ يعتبر أحد رجالات الرعيل الإعلامي الأول، وإن تناسته الأيام؛ ولأنه عزف عن الأضواء، وابتعد عن منصات التتويج، راغباً العيش في الظل الهادئ، فقد كان أحد شهود العصر عبر برامجه الإعلامية، الحافلة بذوقه الأدبي الذي حمله كـ « حروف «، و» شاعر وقصيدة «، و» الميزان «.
لم يكن ماجد الشبل يخطط لأن يكون إعلاميًّا، بل إن الإعلام صُقل في داخله؛ فاتجه إليه دون تخطيط، أو تنظيم. يقول - رحمه الله - حسبما أفاد لمجلة « الإعلام والاتصال « في شهر يوليو 2007 م : « كنت أحب الإذاعة المدرسية، وأحب أن أكون متميزًا، ومتفوقًا فيها، ولم أكن أعرف لماذا ؟، حتى كبرت، ووجدت نفسي إعلاميًّا في التلفزيون السوري خمس سنوات قبل انتقالي للسعودية «.
صبر في أواخر حياته في محطات الأقدار، واختبارات القضاء؛ فأصيب في عام 1420هـ بجلطة أدخلته المستشفى، وصدر قرار - الملك - فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -، بعلاجه في مستشفى - الملك - فيصل التخصصي، وتعافى من جلطته، وعاد للعمل الإعلامي لفترة وجيزة، إلا أن أعراض المرض، وكبر السن أنهكاه كثيرًا، وترك العمل الإعلامي عام 1421 هـ، وكان ذلك منذراً بأن صحته لاتساعده على مواصلة العمل الإعلامي، - ورغم كل ذلك - فقد كان الأقوى في صبره، وجلده، وتحمله، وكفاحه.
حملت الأنباء خبر رحيله الفاجع؛ ليحتبس الدمع بالمآقي، حتى وإن كان في غنى عن الدموع؛ لأنه باقٍ حياً في وجداننا، وفي ذاكرة التاريخ المجيد؛ فرحمك الله يا أبا سمر رحمة الأبرار، ودعاؤنا لك بالغفران في شهر قريب من الرحمة، والمغفرة، والعتق من النيران، والله نسأل أن يكتب أجرك، ويخلّد في الناس ذكرك، ويتقبّل أياديك البيضاء على محبيك فيه، ويخلف الأمة فيك خيراً.