إبراهيم بن سعد الماجد
متفق على أن الجميع يسعى لأن يكون محبوبا عند الناس, قريبا من قلوبهم.
ولذا زخر الأدب العربي بجميل المنثور والمنظوم كله في سبيل التقرب إلى المحبوب, وعندما نقول المحبوب فإننا نعني شمولية اللفظ لا خصوصيته, فليس المحبوب دوماً أنثى, فالسلطان محبوب والغني محبوب, والأولاد محبوبون, تختلف درجة هذا الحب بين حب صادق كالفجر الصادق وحب كاذب كالفجر الكاذب سريعاً ما يختفي.
عشت في بحر من الحب الأبوي مثلي مثل غيري من الأبناء, وهذا في نظري من أصدق بل هو أصدق حب على وجه الأرض, وعشت في موجة حزن على فقد هذا الحب, وأعني بالحزن حزن فقد هذه المشاعر, وفقد تبعات هذا الحب, من دعاء وغيره.
الإسلام جاء مؤكداً على مكارم الأخلاق, ومن مكارمها صلة الرحم, وحسن الأخلاق.
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) قول نبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام, ويأتي على قائمة مكارمها بث روح المحبة والألفة بين الناس, ولذا جاء في الأثر (تهادوا تحابوا) فالهدية تفعل فعلها في القلوب, وتوجد أثرها في النفوس, حتى ولو كانت بسيطة, فالعبرة في أنك ذكرته أو ذكرتها وأنت بعيد.
إن الهدية حلوة
كالسحر تجتلب القلوبا
تدني البعيد من الهوى
حتى تُصيّره قريبا
وتُعيد مُعتقد العدا
وة بعد نفرته حبيبا
يقول الفضل بن سهيل ذو الرئاستين: ما أرضى الغضبان ولا استعطف السلطان ولا سُلت السخائم ولا رفعت المغارم ولا استميل المحبون ولا توقي المحذور بمثل الهدية.
وقيل:
للهدايا في القلوب مكانٌ
وحقيق بحبها الإنسانُ
الملوك على عظيم شأنهم للهدية أثرها في نفوسهم, يقول أحمد بن يوسف المأموني في ذلك:
على العبد حق لا بد فاعله
وإن عظم المولى وجلت فواضله
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله
وإن كان ذا غنى فهو قابله
ونحن في خضم هذه الحياة المادية الطاغية أكثر حاجة إلى أن نوثق علاقاتنا الاجتماعية التي هي في الأساس من ديننا الذي أمرنا بأن نكون جسداً واحدا, إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقية الجسد.
ما نعيشه اليوم من أوضاع حضارية متعبة, جعلت البعض يحجم عن الإهداء كونه غير قادر على الأشياء الثمينة ويخجل من وجهة النظر القاصرة في تقديم الهدية ذات القيمة البسيطة, وهذا خلل في الفهم, وإلا فالهدية في رمزيتها لا في قيمتها.
قد تبدو مشكلة الهدية ذات القيمة البسيطة أكثر حضوراً عند الزوجات فهي ترى أن هدية الزوج لها تعبر عن قيمتها لديه, فكل ما كانت أغلى كانت هديته لها أثمن, وهذا في الحقيقة فهم سقيم, فالهدية إنما تعني تذكر المهدي المهدى له.
نحن بحاجة إلى بث ثقافة الهدية الرمزية التي تبني جسوراً من المحبة والألفة بين المجتمع, لا الهدية التي تسبب مشكلة مادية قد تتحول إلى قطيعة.
والله المستعان.