إبراهيم بن سعد الماجد
السياحة والتراث الوطني يقف على سدة أمرها أميرٌ عُرف بتراثيته، وعُرف بوطنيته التي بلغت حداً جعل من هذا الرجل يمارس مسؤولياته حباً لا واجب عملياً فحسب.
منه مباشرة وبعيداً عن أضواء الإعلام وفي صحراء مربعة ونار موقدة وفي ضيافة أخ له وصديق شرفت بأن أكون بينهم، بين أميرين وطنيين مخلصين هما سلطان بن سلمان ومضيفه الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود،
سمعت حرصاً على تاريخ هذا الأرض من الأمير سلطان بن سلمان، وهو يتحدث كما أسلفت تحت أديم السماء بعيداً عن أضواء الإعلام، مما جعلني أتعلق بكل ما أسمع أو أرى من تاريخ أرضنا، وأهلع عندما أرى تقصيراً في حفظها منادياً (وينك يا سلطان)
من منا لا يحفظ أبياتاً من هذا القصيدة:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِل
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول و حَوْمَلِ
كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفاً بِهَا صَحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُمُ
يَقُوْلُوْنَ لاَ تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّلِ
وإِنَّ شِفائِي عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ
فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا
وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا
نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً
عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي مِحْمَلِي
هذه القصيدة الوجدانية تحمل أكثر من موقع تاريخي معروف كالدخول وحومل، حيث تلك الأرض المنبسطة والهضاب الفاتنة ببديع صنع الله.
تلك الأماكن التاريخية تجول حولها عاديات ربما نفاجأ ذات مساء بتحولها إلى أثر بعد عين، تلكم هي شركات الصخور التي قضت على كثير من هضاب نجد الجميلة!!
غير هذه الهضاب والأماكن هضاب وأماكن أخرى في أكثر من موقع من أرضنا المباركة، هي كل الروعة والجمال، فكيف إذا اقترنت بالتاريخ والأدب ومعلقات الشعراء، ما أجملها من ليالٍ مقمرة وصحبة مؤنسة تتجاذب أطراف التاريخ والأدب.
يقول ناصر خسرو في رحلته الشهيرة عام 444 هجري وهو عائد من مكة المكرمة وعند مروره بنجد وتحديداً بالمنطقة التي فيها الدخول وحومل:
(رأيت جبالاً تشبه القباب لم أر مثلها في حياتي، فهي جبال قليلة الارتفاع ملساء، أشد ملاسة من البيض لكنها في غاية الصلابة).
وأتذكر الدكتور محمد بن سعد الرشيد، المولع بالوقوف على الأماكن التي سُجلت في قصائد بعض الشعراء، حيث كان يُطرب ندماءه بتاريخ هذه الأماكن وهو رجل الشريعة والقانون، ولكنه رحالة متميز أديب وجغرافي ومتذوق للشعر القديم، ومثل الدكتور محمد يُعَدُّ كنزاً من كنوز المعرفة التي يجب على مثل الهيئة التعاون معها.
إنني مؤمن بأن التاريخ إذا ذكر في مواقعه أكثر رسوخاً في ذاكرة المتلقي، كما أنه أكثر تأثيراً في ذائقة الناشئة من السرد الورقي الجاف.
بلادنا المملكة العربية السعودية، جزيرة العرب، ومنها وفيها كانت صولات فرسان السنان واللسان، ولذا ففي كل جزء من أرضنا تاريخ يتشوق الآخرون إلى الوقوف على أرضه وتحت سمائه ليتمثلوا ويتخيلوا تلك الأيام والليالي العربية ذات اللسان الجميل والمشاعر المرهفة، وتلك الوقائع الحاسمة والفارقة.
ملوك العرب وسلاطين السيف والقلم، لهذه الأرض معهم ذكريات، بل صولات وجولات، فكم من حجر ذُرفت عليه دموع الشعر، وكم من سهل شهد تقارع السيوف وصهيل الخيل، ولكن قليل منا من يعرف تلك المواقع، ويحفظ تلك الوقائع.
قيس بن الملوح وطرفة بن العبد وامرؤ القيس والنابغة الذبياني، وخير منهم كلهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كانت لهم صولات وجولات في غزوات جابت الأرض طولاً وعرضاً، كل ذلك لهذه الجزيرة العربية منه نصيب الأسد ضرباً بالسيف وقولاً باللسان.
آبار لسقيا الجيوش، ومساجد لأداء الفروض، منتشرة في أنحاء الجزيرة العربية، تحتاج إلى توثيق وعناية من أجل حفظ تاريخنا، لبناء حاضرنا، وتوثيق علاقة أجيالنا بدينهم ولسانهم العربي المبين.
لهيئة السياحة والتراث الوطني - كما أعلم - مشروع جميل ومهم، وهو المساجد التاريخية، حيث يرعاه سمو الأمير سلطان بن سلمان شخصياً، وهذا - بلا شك - في غاية الأهمية، خاصة إذا طبقت أعلى المعايير التاريخية في هذا التوثيق.
رسالتي لسمو الأمير سلطان، رسالة تحمل وجلاً على هضابنا الجميلة ببديع خلق الله، وبما تحمله من تاريخ يُعد ملهماً للأجيال الحاضرة والقادمة، بأن تأتي عليها شركات الصخور وتحولها إلى قيعان صفصفا، فيذهب معها التاريخ والشعر والجمال.