عبد الرحمن بن محمد السدحان
الكتابة عند بعض سدنة الحرف (عادة) تكاد تدخل في تركيبة السلوك اليومي، وهي لدى البعض الآخر مخاضُ عُسْر، لا يخضع لإرادة، ولا يتّبع كيفاً، ولا ينتهج طبعاً، وهناك صنف من الكتابة يفرضُ مجيئَه في ساعة من ليل أو نهار، وهذا اللون من الكتابة لا يخلو من الإبداع!
* * *
والناس في ممارسة الكتابة أنماطٌ، فهناك من لا يحسنها إلاّ وحيداً مع نفسه متّحِداً مع كيانه في هزيع من ليل، حين تخلد الأرواحُ للراحة في لجة الظلام، أو على ناصية بحرٍ أو على رأس جبل، وهناك من يستأْنسُ بالزحام من حوله، فلا يفسد عليه وحدةَ الإبداع مع نفسه، فيملأ الصفحاتِ وهو يتأمل قسمات الناس، غادين ورائحين!
* * *
لكن المثيرَ للجدل حقاً هو أن يُؤخذَ ذلك السرد من المقولات وكأنها مسلماتٌ مْطلقة تنتمى إليها شرائحُ (متجانسةً) من نفس البشر، في الوقت الذي يختلف فيه الناس في كثير من الأمور المتصلة بشئون حياتهم اليومية، فكيف بهم (يسْتوُون) في نمط الكتابة التي تخضع لمعطيات ومؤهلات معينة يفترق عندها الناس تحصيلاً وكيفاً وإبداعاً!
* * *
الكتابةُ المعنيّةُ هنا عملٌ إبداعي قبل كل شيء وفوق كل شيء وبعد كل شيء، وهي بدون إبداع، عبثٌ كالرسم على الماء، لا يدفع ضراً، ولا يؤتي خيراً!
* * *
أما (المسلَّمَة) الأخرى، فهي أن الكتابةَ التي تمليها العادة فحسب يتنكّّر لها الإبداعُ نفسه، وهي كذلك متى خضعت لمتغيّر الكَبْت أو الإلحاح، وهي أكثر من هذا وذاك، إذا كانت وسيلةً لاستدرار منفعة عاجلة يبتغي بها صاحبُها إشباعَ حاجة متمردة لا يملك وسيلة بديلة لتحقيقها!
* * *
وإذا سلّمنا ولو قليلاً ببعض ما سبق، أمكنَنا القولُ أن الكتابة المبدعة لا تأتي من يُسْر، بل هي كائنٌ ينشأ في رحم العُسْر، في معظم مراحلها، لكنها تترك أثراً يبقى خالداً في ذاكرة الزمن وأفئدة الناس، لا يعبث به موجُ الأحداث، فيحيله جفاءاً، ولا تقهره رياح الخطوب، فتنثره اشلاءاً!
* * *
إذا سلّمنا بكل ما سبق أو ببعضه، أمكننا القولُ أيضاً أن الفرق بين الكاتب المبدع وضده هو أن الأول يوقد للفكر شموعاً من الحكمة يتلمس الناس في ضوئها خُطاهم وخطاياهم، في حين يعتكف الآخر داخل صومعة نفسه، كأنه لم يخلق في الأرض سواه!
* * *
وبعبارة أخرى، الفرق بين الكاتب المبدع وضده هو أن الأول يحفر في صخر.. والآخر يحرث في بحر، الأول يدوم، والآخر يزول!