حمّاد السالمي
«أستميحكم عذرًا قرائي الكرام؛ في أن أجعل مقالي اليوم عن مدينتي ومحافظتي العزيزة على نفسي: (الطائف المأنوس).
«لم أجد نفسي في موقف محرج لا أحسد عليه إلا وأنا أُكرّم من أهلي في الطائف. من مسئوليها وقيادييها ورجال أعمالها وأدبائها ومثقفيها وكل محب فيها. وقفت في منبرهم التكريمي مساء الثلاثاء الفارط لأتحدث؛ فلم أجد في قاموسي اللغوي ما يفي برد الجميل ومقابلة الوفاء إلا مفردة: (شكرًا).
«شكرًا.. شكرًا.. رددتها للكل؛ حتى شعرت أنها ربما كانت مُملّة، لأنها لا تعبر عن شعوري الحقيقي تجاه المحتفين بي من المحبين، ولا توازي أقل القليل مما فعلوا من أجلي في هذه الاحتفالية الكبيرة، التي تبرز نقاء وصفاء ومعدن الرجال في الطائف.
«ما قلت يومًا قولًا، ولا كتبت حرفًا، ولا صورت صورة، ووثقت معلومة، أو ألفت كتابًا، ونشرت موسوعة، عن الطائف وللطائف؛ وأنا أفكر في مقابل أو رد جميل، لأني أعرف أن هذا من أهم واجباتي في حياتي، ولكنها النفوس الكبار لأحبتي وزملائي وأصدقائي، التي تأبى إلا أن تكون اليد العليا لها في كل موقف.
«قلت في كلمتي- وهكذا كنت وما زلت أقول- بأن ما رآه المحتفون بي إنجازًا ونجاحًا يستحق التكريم؛ مما قدمت للطائف وعن الطائف على مستويات تاريخية وأدبية وإعلامية وسياحية وخلافها؛ فإن الفضل فيه يعود أولًا إلى توفيق الله عز وجل، ثم إلى رضى الوالدين رحمهما الله، ثم إلى: (مكان عظيم، وإنسان عظيم، وزمن عظيم).
«المكان العظيم سيداتي سادتي: هو الطائف؛ التي ألهمتني وأنطقتني وكتبتني؛ قبل أن أكتبها وأقدمها في مقال أو دراسة أو كتاب أو صورة.
«والإنسان العظيم: هو أهل الطائف دون استثناء، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، وكافة المحبين على التراب الوطني كله، الذين شجعوني، ودعموني، ونقدوني، ووافقوني، واختلفوا معي.
«والزمان العظيم؛ هو العهد السعودي الزاهر الذي حالفني حظي أن ولدت ونشأت وربيت وتعلمت فيه، فحزت في ظلاله الأمن والأمان والعيش الهنيء، إسوة ببقية مجايليّ في الوطن الكبير من مائه لمائه، ومن جنوبه لشماله.
«أتذكر جيدًا؛ أن أولى رحلاتي إلى سدود الطائف وقراها التاريخية وأمكنتها الأثرية، قمت بها وأنا طالب إعدادي، وكانت على دراجة عادية (بسكليت)، ثم تطورت إلى (دراجة نارية (دباب)، ونشرت عن الطائف بداية في (المرحومة الندوة)، وفي مجلات أخرى بصور أبيض وأسود.
«أتذكر أن فكرة تأسيس (لجنة التنشيط السياحي) بالطائف، تبلورت في مكتبي بفرع مؤسسة الجزيرة الصحافية بالطائف صائفة عام 1407هـ. اجتمعنا زميلاي في المكتب أحمد الزهراني ومحمد قاري وأنا؛ وكتبنا خطابًا بهذا المقترح لأمير الطائف أوانذك (فهد بن عبد العزيز بن معمر)، وهو بدوره تبنى المقترح وفعّله على كافة المستويات، فأصبحنا ثلاثتنا وأصبحت صحيفة الجزيرة؛ جزءًا من المشروع الذي نجح في خدمة السياحة بالطائف.
«تأسست لجنة المطبوعات عام 1408هـ، وكُلفت برئاستها من قبل أمير الطائف ثم المحافظ فيما بعد، وعندما بحثنا عن كتاب واحد فقط يقدم الطائف تاريخيًا أو أدبيًا أو اجتماعيًا؛ لم نجد شيئًا ذا بال. عكفت اللجنة على التوثيق والتصوير والتأليف والنشر؛ بدعم معالي المحافظ، فقدمنا الطائف المدينة والمحافظة في أكثر من 50 كتابًا وموسوعة ومعجمًا.
«ساهم معي زملاء أعلام في البحث والتأليف والنشر من أشهرهم: الدكتور إبراهيم الزيد شافاه الله، والدكتور حمد الزيد، والدكتور ناصر الحارثي رحمه الله، والدكتور يوسف الثقفي، والشيخ عاتق البلادي رحمه الله، والدكتور عالي القرشي، والدكتور عدنان المهنا، والشيخ محمد الطيب رحمه الله، والأستاذ محمد بن منصور الشريف، والأستاذين حمّاد الجعيد وسعود النفيعي، والأستاذ حسن العبادي، وغيرهم. وزملاء من أعضاء اللجنة، وبهذا؛ فإن الطائف يحق لها أن تفخر بأنها المدينة والمحافظة السعودية والعربية الوحيدة؛ التي لا يوازيها غيرها في التوثيق والتأليف والنشر، عن تاريخها، وآثارها، وجغرافيتها، وآدابها، وثقافتها، وسياحتها، ومجتمعها.
«ما كنت لأفعل شيئًا لولا التشجيع والدعم والمؤازرة التي لم تتوقف عند حد معالي المحافظ، بل امتدت للمؤسسات الرسمية والأهلية، ورجال الأعمال، وكافة المتابعين لما كنا نكتب ونؤلف ونوثق وننشر عن الطائف من مختلف مناطق المملكة. كانت صحيفة الجزيرة ومجلة الفيصل والمجلة العربية؛ قنوات تعريف للطائف لما كنت أنشر فيها من استطلاعات ودراسات وبحوث وصور لم تكن معروفة عند الكثيرين، أولئك الذين ما إن يروها حتى يتواصلوا معي، ومنهم من يأتي من مناطق ومدن بعيدة ليقف عليها بنفسه، ومنهم طلاب دراسات عليا في جامعات، وباحثين ومؤرخين كنت أستقبلهم وأرتحل معهم في حبور وسرور إلى مختلف المواقع التاريخية والأثرية، ومنهم على سبيل المثال؛ الشيخ عبد الله بن خميس والشيخ عاتق البلادي رحمهما الله.
«كررت وأكرر قولي: شكرًا لمن فكّر ودبّر ورعى وسعى في تكريمي في الطائف المأنوس، عملًا بقول رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه مما صح عنه قال: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، ثم أختم بقول الشاعر:
«إن قلت شكرًا؛ فشكري لن يوفيكم
حقًا سعيتم، فكان السعي مشكورًا
إن جف حبري عن التعبير يكتبكم
قلبٌ به صفاء الحب تعبيرًا