حمّاد السالمي
ابتهجت كثيرًا بما صدر عن مجلس الوزراء ظهيرة يوم الاثنين من الأسبوع الفارط حول الموافقة وتبني (رؤية السعودية 2030)، الهادفة إلى توظيف طاقات وإمكانات المملكة البشرية والجغرافية والتاريخية والثقافية، للتغيير الإيجابي، وتحقيق مستقبل أفضل للوطن والمواطنين.
مثّلت كلمة (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز) -حفظه الله- في المجلس؛ خارطة طريق واضحة لخطة تحول وطنية حضارية شاملة، شرحها باستفاضة وبكل دقة ومهنية (سمو وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز)؛ في لقائه المباشر مع (تركي الدخيل) في لقاء خاص العربية ظهيرة اليوم نفسه. من تابع اللقاء وتابع الطريقة التي تعاطى فيها سمو ولي ولي العهد مع أسئلة العربية؛ لا بد أن يشهد للأمير الشاب محمد بن سلمان بالاحترافية في تقديم منجز وطني عملاق. استطاع ضيف العربية أن يصور المشروع الحضاري متعدد الجوانب والاتجاهات؛ في جمل إيجازية وإعجازية معًا. لم يسهب في فكرة على حساب أخرى، ولم يقصر عن شرح ما يتطلب التوضيح أكثر.
توقفت كثيرًا عند إجابته عن سؤال يتعلق بمشاركة كافة شرائح المجتمع في برامج دعم متوسطي وقليلي الدخل في تحولات الرؤية.. قال له المذيع: (هل هذا وعد)..؟ قال الأمير الشاب: (ليس وعدًا.. بل هذا ما يجب أن يكون).
نعم.. هذا الذي يجب أن يكون وتكون عليه بلادنا. كلام في صميم الحدث الكبير جدًا، بحجم جغرافية المملكة العربية السعودية، وبحجم ما تتكئ عليه من تراث إنساني وحضاري، وتاريخ عريق، ومكانة عربية وإسلامية ودولية.
أن نسعى إلى تنويع مصادر الدخل، واستغلال ثرواتنا المعدنية والآثارية والبشرية، فلا نرتهن للنفط أكثر مما ينبغي. (هذا ما يجب أن يكون). لقد عشنا أسرى للنفط قرابة سبعة عقود، وعشنا أسرى كذلك مع الفترة النفطية؛ لأفكار محنطة، ومفاهيم متصحرة، وتقاليد بالية، فجاء الوقت الذي يجب أن نتنبه فيه إلى أن النفط ثروة ناضبة، وأننا نملك غير النفط ثروات كثيرة نابضة. وأن العالم من حولنا يتحرك ونحن واقفون ساكنون، نجاهد قلقنا مما يجري، ونغالب خوفنا من كل جديد قادم، ونقف على الأطلال لنتغنى بأمجاد ماضينا، ونمجد ذواتنا، ونجتر صور أيامنا الخوالي، وننتشي بسرديات لمعاركنا واحترابنا مع بعضنا.
مراحل التحول الوطني للتغيير المفضي إلى التطوير في (رؤية السعودية 2030)، لن تتم بدون معوقات وعراقيل مفتعلة، ولن تسير بنجاح في خطها المرسوم بعناية؛ بدون تضحيات جمعية وفردية، والتحول الإداري المبني على الكفاءة والنزاهة والشفافية؛ هو في بداية العملية وليس في نهايتها؛ لأنه صمام الأمان الذي يقود التحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في مشروع الرؤية. إن التحول لن يؤتي أكله إذا لم يبدأ بالمواطن نفسه. فكر المواطن وثقافته وعاداته وسلوكه. التعامل بإيجابية مع المعطيات الجديدة للتحديث والتطوير في العهد الجديد للدولة السعودية الثالثة؛ هو مربط الفرس في هذه المعادلة، التي تقوم على ثلاثة محاور: (إداري.. ثقافي.. اقتصادي)؛ وكما قال (الأمير خالد الفيصل)؛ مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة قبل اليوم في افتتاح منتدى جدة الاقتصادي في جدة: (حالة التحوّل؛ هي حالة مرحلية، وفترة زمنية، لنقلة حضارية، يصنعها الإنسان، أو يفرضها الزمان.. وفي نظري أنها ترتكز على ثلاثة عناصر: ثقافة، واقتصاد، وإدارة. الثقافة هي روح وفكر وسلوك، لأنها دين وتعلم وإعلام، والاقتصاد هو مال وتجارة، وهو عصب حياة ومنطلق حضارة، والإدارة هي رأس الأمر في كل صدد، فإذا صلح الرأس صلح الجسد).
لم تنهض أمة لا في الشرق ولا في الغرب إلا وفق رؤى مستقبلية نيرة، ووفق خطط محكمة، وإرادة صلبة، وقرارات صعبة.. أعطوني أمة ناهضة معرفيًا أو صناعيًا أو زراعيًا سكنت لحالة راهنة، وركنت لحالة بائدة، فنامت وصحت على عقول تفكر، وخطوط إنتاج تدور وتُدرّ، وسواعد تبني، ووطن ينهض، ومجتمعات تتعلم وتترفه وتسعد في حياتها..؟
لنأخذ النهضة اليابانية التي هي اليوم مثلاً يحتذى في التحول من بلد مهزوم وشعب مأزوم، إلى أمة يابانية منتجة ومفكرة، ومشغولة عن الفتن والاضطرابات والحروب التي تجتاح كل القارات؛ بالعمل والحياة ورفاهية العيش.
الأمبراطور الشاب (Meiji)؛ تولى حكم اليابان عام 1868م، إلى عام 1912م.. فترة حكمه هذه تعد المرحلة الأولى في تاريخ اليابان المعاصر.. بنى رؤيته النهضوية لتحويل اليابان من بلد عدائي وفقير؛ إلى بلد ناهض منتج، يزاحم كبريات الدول في الاقتصاد والسياسة والعسكرية.
استعان (Meiji) بشباب طموح يثق بهم لمشاركته هذا الطموح تحت مسمى: (القَسَم الخماسي)، الذي تحول إلى نهج وثقافة يابانية، استطاعت أن تنتشل اليابان من أزمات الحروب والكوارث الطبيعية إلى قوة أكبر.
تمحورت رؤية (Meiji) في (القَسَم الخماسي) حول الآتي: (الحوار المفتوح بين مؤسسات الدولة والمجتمع - نهضة الوطن تقع على عاتق الجميع - العدالة الاجتماعية - كسر العادات والتقاليد البائدة - الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة).
نحن بكل تأكيد؛ لنا في مملكتنا العزيزة الرائدة عربيًا وإسلاميًا، خبراتنا وتجاربنا وتطلعاتنا التي تنطلق من ديننا وقيمنا وأخلاقنا، ولنا إرادة قوية في اللحاق بركب الأمم الناهضة التي تعرف قدراتها، وتعرف كيف تستغلها وتسخرها لبناء ذاتها، وحماية مكتسباتها، وإسعاد مواطنيها. (هذا ما يجب أن يكون).
شكرًا لقيادتنا الرشيدة.. شكرًا للأمير الشاب (محمد بن سلمان)؛ الذي أهدى إلينا (ما يجب أن يكون)؛ في (رؤية السعودية 2030م).