حمّاد السالمي
* أكثر ما يفجعني عادة؛ هو رؤيتي لحادث سير في طريق عام. كثير من هذه المشاهد اليومية الموجعة؛ يتمثَّل في سيارة مقلوبة أو مهشَّمة بالكامل، وهناك بشر يئنون تحتها، أو دماء تسيل بقربها،
أو أجزاء من ملابس رجال ونساء من ركابها تظهر للعيان من بين شقوق حديد مهشم لسيارة سيئة حظ؛ ضربت في شجرة، أو صدمت في أخرى من الخلف، أو حتى وجهًا لوجه، أو انزلقت في شبر ماء وتدحرجت إلى شعيب حجري.
* نحمد للإدارة العامة للمرور؛ أنها تزودنا أو (تصدمنا) بين وقت وآخر؛ بإحصائية رقمية عن حوادث السير في سنة كاملة أو أشهر منها، وتتضمن هذه الإحصائية؛ جزئيات مهمة تتعلق بعدد الحوادث، وعدد الوفيات، وعدد الإصابات الذين يلحق بعضهم بمن سبق من موتى، أو يتحولون إلى أناس مشلولين ومعاقين على أسرّة وعصي وعربات متحركة.
* نسأل الله السلامة. ما أكثر ما نتحدث عن السلامة التي ننشدها لنا ولأسرنا وأطفالنا وشبابنا، ونطلبها لأنفسنا كل ما شاهدنا حادث سير مفجعاً، أو قرأنا عن هذه الحوادث التي لا تتوقف، وكأنها تسابق عقارب الساعة، لتعبر حاجز الدقيقة إلى الثانية.
* من ضمن ما نُشر من إحصائيات لحوادث ما قبل سنتين؛ هناك إحصائية حالكة السواد؛ تقول أرقامها: إن عدد حوادث السير في المملكة بلغ نحو ثلاثمئة ألف حادث سنوياً، وأن ثلاثين في المئة من أسرّة المستشفيات؛ يشغلها ضحايا حوادث المرور. وتشير إحصائيات أخرى؛ إلى أن معدل الوفيات في حوادث الطرق يبلغ (17) شخصاً يوميًا، أي شخص كل (40 دقيقة)، كما بلغ عدد المصابين أكثر من (68 ألفًا) سنويًّا، وزادت الخسائر المادية على (13 مليار ريال) في السنة، وتقول إحصائيات مماثلة؛ إلى أننا نفقد نفسًا كل دقيقة في حادث مروري، وهذه أرقام كبيرة فاجعة وموجعة، وتدعو إلى القلق والتساؤل والتشاؤم.
* لمعرفة حجم المشكل الذي نعانيه حقيقة من حوادث السير، أتابع ما يصدر عن الإدارة العامة للمرور ذاتها؛ أو أقرأ ما يُنشر عن دراسات بحثية لمختصين ومهتمين بهذا الأمر في بعض الجامعات والمراكز البحثية، ومما جاء في هذا الخصوص؛ إشارات وردت سابقًا عن المشرف على الإدارة العامة لمنح البحوث في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الدكتور محمد خيمي قال: إن الدراسات والبحوث أثبتت أن عدد ضحايا الحوادث المرورية في المملكة بلغ (86 ألفاً) خلال العقدين الأخيرين، وأن الخسائر المادية السنوية بلغت (13 مليار ريال)، ففي سنة 2011م وحده بلغ عدد ضحايا حوادث السير نحو (7153 شخصًا)، وهذا العدد الكبير يشغل (30%) من أسرة المستشفيات، ولفت إلى أن أخطر الحوادث تشهدها عادة الطرق السريعة، وأن المملكة هي الأولى عالمياً في عدد وفيات الحوادث المرورية لكل (100) ألف شخص. كما جاء على لسان د خيمي قوله: (إن الحوادث المرورية؛ هي من أكبر الأخطار الأمنية التي تواجه المواطن السعودي، وهي الأكثر استنزافًا لاقتصاد المملكة).
* وقريب من هذا القول، ما قال به العميد الدكتور علي الرشيدي مدير إدارة السلامة المرورية بالمديرية العامة للمرور في المملكة العربية السعودية. قال في وقت سابق: (إن المملكة تخسر سنويًا (20 مليار ريال) نتيجة الحوادث المرورية، مشيرًا إلى أن (90%) من هذه الحوادث؛ سببها قائد المركبة، ومضيفًا أن (60%) من الحوادث يقع في الطرق السريعة خارج المدن، ويعود سببها إلى السرعة الزائدة وعدم التقيد بالسلامة المرورية.
* أجدني أتفق تمامًا مع القول بأن: (السبب الرئيس في هذه الحوادث هو قائد المركبة، وأن أكثر الحوادث يقع على الطرق السريعة خارج المدن - رغم أنف ساهر ومن يسهرون -..! وأن السرعة الزائدة وعدم التقيد بالسلامة المرورية، من أهم أسباب وقوع هذه الحوادث.
* كما أني أوافق تمامًا على القول بأن: (الحوادث المرورية هي من أكبر الأخطار الأمنية التي تواجه المواطن السعودي، وهي الأكثر استنزافًا لاقتصاد المملكة). إن الأرواح البشرية التي تُزهق بسبب هذه الحوادث؛ هي خسارة مجتمعية ووطنية عظيمة، ومثلها الأعداد البشرية الأخرى التي تُحيّد كرهًا عن ممارسة دورها في الحياة العامة بسبب الإصابات والإعاقات، وإشغال ثلث أسرّة المستشفيات، واستنزاف مليارات الريالات تبعًا لذلك، خسارة أخرى لا تعوض، فما سبب هذا الذي نحن فيه، وكيف نعالجه ونتقيه..؟
* إلى جانب تطبيق أنظمة المرور بكل حزم وعزم وقوة، فإنه يجب تشديد العقوبات بكل حسم في السير داخل المدن وخارج المدن، فإذا عرفنا أن المواصفات القياسية تحكم مصنعيات السيارات التي نستوردها، وأن الطرق هي الأخرى جيدة؛ بل أكثر من جيدة في العموم، فلم يتبق من سبب ظاهر في هذا المشكل الذي نعانيه سوى قائد المركبة، الذي إما أنه مراهق مستهتر، أو غير مهتم بصيانة مركبته بشكل دوري، أو غير مبالٍ بما يقابله من إرشادات وتعليمات مرورية لوحية وأرضية وخلافها، وهذا حقيقة شائع وكثير بيننا، خصوصاً من قبل صغار السن والمراهقين، الذين يجعلون من الطرق والشوارع حلبات سباق، ويقودون مركبات مصدّمة معدّمة مهدّمة، ومدينة لساهر بعشرات آلاف الريالات دون خجل أو وجل.
* كل دقيقة تقريبًا نفقد نفسًا بشرية تحت عجلات السيارات، وندفع بعدد أكبر إلى الأسرّة البيضاء معاقي الحركة إلى أن يلقوا ربهم..!
* هذه من أكبر الفواجع وأعظم المواجع. فمن يحمينا نحن من أنفسنا..؟!