حمّاد السالمي
* أتت الزيارة الملكية السلمانية لمصر؛ لتؤكد من جديد؛ عمق وصلابة العلاقات التي تربط بين أكبر دولتين عربيتين في المنطقة، والتي أنبتها وأثبتها (جلالة الملك عبد العزيز آل سعود) طيب الله ثراه قبل سبعين عامًا، فزيارة الملك عبد العزيز أوانذاك في العام 1946م للمملكة المصرية؛ جاءت بُعيد الحرب العالمية الثانية، حين خرجت دول وشعوب العالم من حرب ضروس شاملة؛ بجروح دامية، وأوضاع أمنية واقتصادية مهزوزة، فبدأ الكل يلتفت يمنة ويسرة لترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، وبادرت الرياض والقاهرة لترتيب محيطها الإسلامي والعربي، فكانت تلك الزيارة الملكية التاريخية الأولى لعاهل سعودي لمصر، وكان اللقاء بين الزعيمين الكبيرين (الملك عبد العزيز) و(الملك فاروق) في مصر العروبة.
* إن زيارة (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود) لجمهورية مصر العربية على رأس وفد كبير غير مسبوق؛ ولقاءه بأخيه (الرئيس عبد الفتاح السيسي)، وما تمخضت عنه الزيارة من اتفاقات تجارية واقتصادية على أكثر من صعيد، هي في حقيقتها تأكيد من جديد على الترابط الأخوي الذي يجمع بين مصر والسعودية، وبها ترتفع درجة المسئولية الملقاة على عاتق البلدين تجاه المنطقة العربية التي عانت خلال خمس سنوات ما يشبه معاناتها في سنوات الحرب العالمية الثانية، فكان لزامًا على دولتي المحور العربي الفاعل والمؤثر في المنطقة والعالم، العمل سريعًا على لملمة ما تبعثر من بين أيدي العرب من مكتسبات أمنية وجغرافية وخلافها، وصياغة مفهوم جديد للتعاون العربي القائم على الشراكات التجارية والاقتصادية والأمنية والثقافية، والوقوف صفًا واحدًا في وجه التدخلات الأجنبية، ووأد الاختراقات الطائفية والحزبية التي تتربص بحكومات العرب وشعوبها، لتقفز على كراسي الحكم بدعم قوى إقليمية وأجنبية، بعد إزاحة الدولة العربية القطرية في أكثر من عاصمة عربية، وهذا ما عشناه وشهدناه في مصر ذاتها يوم أن انقض الإخوان على السلطة، وكادت مصر تصبح كليبيا أو سورية؛ لولا أن تداركها الله بفهم شعبها، وقوة جيشها، ودعم أصدقائها وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.
* لم أندهش كثيرًا لما أثاره ويثيره (اللغطيون) العرب حول زيارة الملك سلمان لمصر المعد لها بعناية، فالإخوان وأذنابهم ومن تأخون معهم؛ وجدوها فرصة سانحة لممارسة المناكفة ومشاغبة الحكم المصري الجديد بقيادة الرئيس السيسي في الجمهورية المصرية الثالثة. إخوان مصر لهم أجندتهم في تعطيل حركة الحياة لأكثر من تسعين مليون مصري، وأتباعهم في محيطنا الخليجي وغزة والأردن وشمالي أفريقيا، لهم طريقتهم في تسجيل المواقف المخزية، حتى لو جاءت هذه المواقف ضد حكوماتهم وشعوبهم، ويندرج هذا على بقية الطائفيين والحزبيين الذين يميلون حيث تميل ريح الدينار والدرهم، ويتعامون بكل صلف عن حقائق التاريخ والجغرافيا بين بلدين كبيرين لا تفرق بينهما حدود جغرافية ولا حوادث تاريخية، وإنما يجمعهما مصير مشترك، ومسئوليات أمنية ملحة في الوقت الحاضر بعد أن فقد كثير من العواصم العربية أدواره القومية، وأصبح على الرياض والقاهرة حمل هذه الأدوار كلها عن الكل، والدفاع عن جغرافية العرب، وعن تاريخهم وأمنهم وقوميتهم المهددة بالزوال.
* النموذج الجديد الذي ظهرت به بنائية العلاقات السعودية المصرية في عشرات الاتفاقيات الموقعة بين البلدين؛ يوحي بشراكة استثمارية موسعة في مجالات عدة تكتسب الديمومة، وتدر على البلدين منافع كثيرة لا تحصى، وفي طليعة هذه المنافع: التنمية في جنوب سيناء، بدءًا من التعليم في جامعة الملك سلمان، وليس انتهاءً بالجسر البري بين السعودية ومصر عبر جزيرتي صنافير وتيران السعوديتين، وهذا هو أول معبر بري يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا بعد حفر قناة السويس عام 1869م. والتنمية في هذه المنطقة من سيناء؛ يسهم في احتواء السكان، ويدفع عنهم شرور التطرف والإرهاب.
* إن الذين جفت أحبارهم وكلّت أقلامهم عن قول شيء مفيد عن هذه الزيارة ونتائجها وفوائدها؛ وأولئك الذين دلقوا أحبارهم وسنوا أقلامهم للتقليل من أهمية الزيارة، وسعوا إلى تشويه صورة الحدث الكبير بذرائع السيادة وخلافها، هؤلاء وأولئك تعاموا عن الخطر الأمني الذي ظل وما زال يتهدد المنطقة العربية، وينذر بزعزعة دولها العربية الإقليمية، وأن المستقبل إما أن يكون لجبهة عربية قوية اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، أو يكون لأهل العمائم السود من المتطرفين والقتلة في القاعدة وداعش. إما السعودية ومصر تقودان العرب لمواجهة الإرهاب والقضاء على منظماته وعناصره التخريبية، أو القاعدة وداعش؛ تنفذان إلى مجتمعاتنا العربية من خلال هذه الجماعات المتأسلمة، التي تتوسد الجغرافية العربية من شرقها لغربها.
* لا يشبه الزيارة الملكية الخالدة للملك عبد العزيز طيب الله ثراه لمصر الملكية قبل سبعين عامًا؛ إلا الزيارة الملكية السلمانية الخالدة لمصر الجمهورية بعد سبعين عامًا. مصر والسعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي؛ هي صمام الأمان الذي يدحر قوى التطرف والإرهاب، ويقف في وجه أطماع الصفويين الجدد، ويعيد الثقة للإنسان العربي في كل قطر عربي.