عبدالله بن محمد السعوي
حمل كلام المخالف على غير وجهه وإلباسه رؤية دلالة لا تُطرح باعتبارها خياراً من خيارات دلالية متعددة تحتملها طبيعة النص المخالف وإنما تطرح بوصفها البعد الدلالي الأوحد الذي يعز على الطاقة اللغوية - الحمالة! - استيعاب سواه؛ هذه المنهجية - وهي مجال خصب لمحترفي الانتهازية! - تلقي في روع المتلقي - وخصوصاً حينما يكون من الدهماء أو حتى من تلك الشريحة النخبوية الخاوية وعشاق التراشق العشوائي - تلقي في روعه ضرورة أخذ الحيطة من هذا العالِم أو ذاك وأنه لا بد أن يُتعامل معه بأقصى درجات التوجس والشك هذا الشك الذي قد تتنامى مولداته وتتكاثر بواعثه حتى يصبح حكماً قطعياً يتم بموجبه سحق هذا المخالف وتصعيد العداوة ضده وهو ما حصل للإمام (ابن حبان) رحمه الله فإمام بحجم ابن حبان وبسعة أفقه الحديثي وطول باعه في علم الأثر وحضوره الإثرائي الكثيف ويكفيه فخراً أنه من أبرز تلامذة (الدارقطني) الإمام المشهور هذا الإمام لم يسلم من قالة السوء ومن تلك المجازفات المرتجلة والإطلاقات غير المسؤولة والتي تم من خلالها تشويه عبارته وصرفها إلى غير دلالاتها وعلى نحو كاد أن يقود إلى مقتله طبعاً كان معروفاً عن ابن حبان تأثره بالطريقة الكلامية من حيث الأسلوب والصياغة العباراتية وكان مما قاله عبارة: «النبوة: العلم والعمل «فحكموا عليه بالزندقة وتمت منابذته وهجره واستعداء الخليفة عليه حتى أصدر مرسوماً سلطانياً بقتله لكن ابن حبان هرب واختفى وتوارى عن الأنظار, طبعاً لو تأملت في هذه القصة لوجدت أن السبب الرئيسي في إدانة ابن حبان هو تأويل عبارته على غير مراده واتهامه بأنه يروّج للمعتقد الفلسفي الذي يؤكد على أن النبوة مكتسبة وليست هبة من الله للعبد,بل يمكن للإنسان أن يكون نبياً وذلك بترويض نفسه برياضات معينة مع العلم والعمل بذلك العلم, و(الذهبي) في سير أعلام النبلاء اعتذر لابن حبان مقرراً أنه لم يكن يقصد حصر المبتدأ في الخبر وإنما أراد ذكر مهمات النبوة كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» فهو لم يقصد حصر الحج في عرفة فقط وكذلك ابن حبان لم يقصد حصر النبوة في العلم والعمل أو أن من أتى بالعلم والعمل صار نبيا... يتبع