عبدالله بن محمد السعوي
المبالغة في الاستقطاب والتلبس بروح التخندق والعراك واستفحال حالة المفاصلة أدى في سنة 587 إلى نبش القبور، حيث جنح أحدهم إلى قبر (أبي الكيزان الظاهري) فنبشه قائلاً:» لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد» (العبر3/93) طبعاً هذا السلوك لا يؤخذ كحالة عنفية فردية عابرة بقدر ما هو سلوك ذو بعد رمزي يكشف عن طبيعة تلك الأجواء المحتقنة وعن طبيعة تلك العلاقة بين الانتماءات المتباينة وعن مستوى الرفض الحدي المتبادل بين تلك الأطراف التي استهلك وقتها صخب المعارك واستنزف جهدها ضجيج المشاحنات تلك المشاحنات التي كثيراً ما توظف فيها هذه الفتوى أو تلك وعلى نحو تكتيكي لشرعنة التشنيع وتسويغ فعل التصفية!
طبعاً دائماً هناك - وفي كل مذهب، بل في كل التيارات حتى تلك التيارات التي ترفع الشعارالليبرالي وتتقنع بأدبياته فتتغنى بها لكن لا تجسد أدناها!- هناك فئات من البسطاء المتنخوبين مهنتهم إشعال المعارك الخاسرة والتي هي ناتج انفعال وليست إفرازات معرفة هذه الفئات مع أنها قد تبدو متباينة وإلى درجة التضاد أحياناً إلا أن هناك نسقاً واحداً يحكمها في العمق, هو نسق واحد حتى ولو اختلفت نبرته, تلك الشخصيات لا تستطيع أن تضمن الحضور في منصات الأضواء إلا من خلال الشجار والملاسنات التصعيدية التي تنطوي على كل شيء إلا على العلم والمعرفة هذه الفئات تدرك أنها عاجزة عن الإسهام في تقديم رؤى نقدية أو مشاريع بنائية ولذا فهي تعتاش على هذاالخطاب المتخم بالمواجهات اللسانية الحادة المتكئة فقط على مجرد الرفض والتمنع!
الاستماتة في شيطنة الخصوم والتربص بهم دائرة السوء يتولى كبرها أيضاً (أبوالفرج الأصفهاني) في كثير من سردياته التي غابت فيها التوعية لصالح الدعاية والتي وصلت في المبالغة والتفخيم والتهويل - والاختزال أيضاً! - إلى حدودها القصوى من مثل ماذكره عن (الوليد بن يزيد) الخليفة الأموي وأنه كشف عن «هنه» وأصدر أمراً لأشعب بأن يسجد له, وتأكيده أيضاً على أن مجلس الوليد لا يخلو من حالات الممارسة المثلية, وأنه كان مشغوفاً بإحدى جواريه التي شغفها حباً فملكت عليه لُبه واستحوذت على وجدانه حتى أشغلته ذات يوم عن الصلاة فلما نُبه إلى ذلك أمر الجارية بأن تدير لثامها على وجهها وتخرج لتصلي بالناس إماماً بدلاً عنه (الأغاني 7/46).
طبعاً المبالغات اليوم وفي عصرالدعاية والإعلام أخذت المبالغات أبعاداً أكثر خطورة وباتت أكثر احترافية, وتشويه المخالف - والتشويه فنون! - أضحى عبرجملة من الآليات الإيحائية الخادعة التي يجري استخدامها لتشويه الخصوم وتصوير المخالفين بطرق مقززة ومنفرة، بل أحياناً بصوركاريكاتورية مرعبة تحول ما لديهم من مميزات إلى مثالب تجعلهم في غاية البشاعة!