د. عبدالواحد الحميد
التفوق الذي حققته وتحققه أمريكا، والزعامة العالمية التي تتمتع بها دون منازع، لا تعود لسبب وحيد وإنما لجملة من الأسباب يأتي في مقدمتها اهتمامها البالغ بالبحوث والدراسات وما تنفقه من أموال طائلة وبسخاء منقطع النظير في هذا المجال سواء كحكومة أو كمنظمات مجتمع مدني وقطاع أهلي أو أفراد. يضاف إلى ذلك، بالطبع، اهتمامها القديم المتجدد دوماً في التعليم. ومن المعلوم أن الجامعات الأمريكية تأتي دائماً ضمن أهم الجامعات المتفوقة في العالم، وغالباً في المقدمة، في مجال الأبحاث وفي نوعية التعليم الذي تقدمه لطلابها.
وقد أصبح النموذج الأمريكي في دعم الأبحاث وتطوير التعليم مثلاً يحتذى رغم ما يوجَّه إليه أحياناً من نقد، لكنه النقد الذي يسعى إلى الكمال. كما ان الأمم الناهضة المتوثبة مثل كوريا الجنوبية واليابان بدأت تحقق تفوقاً ملموساً في مخرجاتها التعليمية وفي مجال البحوث والدراسات التي تنتجها جامعاتها ومراكز بحوثها الحكومية وتلك التابعة للقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
لقد ثبت أن التفوق في هذا المجال يختصر الطريق كثيراً لتحقيق التفوق في المجالات الأخرى، لكن حكومات البلدان النامية تتعامل مع هذا المطلب التنموي كما لو أنه من الكماليات بحجة انها منشغلة بتوفير الحاجات الملحة لشعوبها مثل الغذاء والسكن وفرص العمل وغيرها، مع أن البحوث والدراسات يمكن ان تكون من أمضى الأسلحة في محاربة كل مظاهر التخلف في تلك البلدان.
ومن المؤكد أن الميزانيات التي تخصص لإجراء البحوث والدراسات لا تحقق وحدها تفوقاً، فقد يتم صرف الميزانيات على أمور شكلية لا علاقة لها بجوهر العملية البحثية، وقد يكون هناك فساد يلتهم هذه الميزانيات التي تُرصد لإجراء البحوث بينما هي تُصرف في مجالات أخرى.
وقد نشرت بعض صحفنا المحلية منذ بضعة أسابيع تقارير عن حالات فساد أتمنى ألا تكون صحيحة، لكن الجميل هو ما نشرته صحيفة الوطن مؤخراً من أن المملكة حققت أعلى معدل نمو في الأبحاث عالية الجودة في غرب آسيا خلال الفترة من فبراير 2015 إلى يناير 2016. وتوجد تفاصيل في الخبر المنسوب إلى مجلة «نيتشر»، وهي مفرحة إلى حد كبير إذا كانت دقيقة.
وبما أن كل من في البلد يتحدث هذه الأيام عن التحول، فليكن في مقدمة تحولاتنا الوطنية إهتمامٌ جاد في التعليم الذي ينعش عقل الإنسان ويحرضه على التفكير واهتمام بالبحوث والدراسات ذات الجودة العالية.