د. عبدالواحد الحميد
من التناقضات الصارخة التي تبرز أمامنا بشكل مذهل حينما نقارن بين مجتمعنا السعودي المسلم وبعض المجتمعات الأخرى التي يصفها البعض بأنها «كافرة»، الطريقة التي يتم التعامل بها مع المرأة في الأماكن العامة عندنا وعندهم.
فالمرأة التي تسير عندنا في الشارع متحجبة ومرتدية العباءة الساترة لجسدها تلتهمها العيون، ونحن الأمة المأمورة بغض البصر!! بينما تمشي المرأة سافرة في الشارع وفي الأماكن العامة في المجتمعات التي لم يسمع أفرادها بفضيلة وواجب «غض البصر» دون أن تلفت انتباههم ودون أن يضايقوها بإلقاء الكلمات المبتذلة أو التصرفات القبيحة.
ومن التناقضات، أيضاً، أن من يقومون بمضايقة المرأة في الأماكن العامة عندنا هم في الغالب من الشباب الذين تلقوا جرعات مكثفة من المواد الدينية على امتداد السنوات والمراحل الدراسية التي مروا بها، بينما لا تعترف المؤسسات التعليمية العامة في المجتمعات التي نذمها ونصفها بأنها كافرة بالمواد الدينية ولا تقررها ضمن المواد التي يدرسها الطلاب ما عدا المدارس الدينية الخاصة.
هذه التناقضات تبعث على الألم في النفس لأنها تؤكد بالدليل القاطع أن ثمة خطأ جوهري وفادح في حياتنا وفي تقاليدنا الاجتماعية وفي مناهجنا الدراسية.
لماذا نجد في ديننا الإسلامي كل هذا التكريم والإجلال للمرأة، ونجد في تاريخنا الإسلامي نماذج مشرفة للمرأة المسلمة التي قدمت لمجتمعها خدمات جليلة في وقتٍ كانت بعض المجتمعات الأخرى تحتقر المرأة وتتناقش حول «آدمية» النساء من عدمها، بينما يتعامل بعضنا مع المرأة بطريقة غير لائقة بعد أربعة عشر قرناً من انبعاث الإسلام العظيم الذي رفع من شأن الإنسان وأعطى المرأة حقوقاً لم تكن قد حظيت بمثلها في المجتعات الأخرى!
أعرف أنني لا أقدم جديداً عندما أطرح هذه التساؤلات، لكنني أكتبها بعد أن شاهدت واقعة أثارت في نفسي الحزن والغضب حين رأيت شباباً يضايقون امرأة في الشارع العام وهي تسير بكامل حجابها وحشمتها وهو ما لا يمكن أن يحدث في لندن أو باريس أو غيرهما من مدن «الكفار»، باستثناء ما نراه في الصيف من تصرفات بدائية من بعض شبابنا الذين يصطافون في تلك المدن في المواسم والعطلات.
لا بد أن نناقش مشكلاتنا الاجتماعية بعقول منفتحة وبشفافية كاملة، وأن نكف عن دفن رؤوسنا في الرمال، ثم نعالج هذه المشكلات التي طفحت وتفاقمت وأساءت لنا كثيراً بين العالمين، فهي لن تستعصي على العلاج عندما تتوفر الإرادة.