د. عبدالواحد الحميد
حالة من التفاؤل اكتسحت أرجاء المملكة بعد إقرار مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي للرؤية الطموحة التي ترسم مستقبل المملكة على امتداد الأعوام القادمة وحتى عام 2030 وما بعده.
وقد استبشر المواطنون بما أعلنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المقابلة التي أجرتها معه قناة «العربية» ثم ما أعقب ذلك من تصريحات للإعلاميين عن بعض تفاصيل «رؤية المملكة 2030».
فالمواطن الذي يتطلع إلى حياة كريمة وإلى تنمية مستدامة يدرك أن اعتماد الاقتصاد السعودي على إنتاج وتصدير النفط الخام يعني أن ما نتمتع به من رخاء هو مجرد «حالة» مؤقتة مهما امتدّ أمدها إذ لا يمكن لأي اقتصاد ريعي أن يراهن على ديمومة الرخاء السهل المتحقق من نشاط غير مرتبط بجهد إنتاجي حقيقي.
لهذا فإن النقلة التي تَعِدنا «رؤية المملكة 2030» بتحقيقها ستكون نقلة تاريخية عندما تتحول من «خطة» إلى «واقع» بحلول عام 2030 مع مكاسب متدرجة على مدى الأعوام الممتدة من اليوم حتى ذلك التاريخ.
ويدرك صانعو القرار في المملكة قبل غيرهم أن «رؤية المملكة 2030» هي في الوقت الحاضر لا تعدو أن تكون خطة وخارطة طريق، وأن التحدي الحقيقي سيكون في قدرة الحكومة والمجتمع على تنفيذها كما أراد لها المخطط.
إن تحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع يتطلب تكامل وتضافر الجهود بين الحكومة وجميع الفعاليات الاجتماعية. فمن جانبها، لابد أن تكون الحكومة منفتحة على جميع الآراء التي تتعلق بمكونات هذه الخطة، وأن تناقش أصحاب تلك الآراء، وتستفيد من ملاحظاتهم. فممّا لا شكّ فيه أن جميع السياسات الاقتصادية والاستراتيجيات المستقبلية في أي بلد من بلدان العالم هي دائماً محل نقاش، وقد تتعدد الآراء إزاءها تبعاً لاختلاف الخبرات التي يحملها الناس، وتعدُّد المدارس الفكرية التي ينتمون إليها. وعلى سبيل المثال، نحن نجد أن هناك رؤى متعددة ومتباعدة أحياناً في المجال التنموي الاقتصادي حتى بين كبار المفكرين الاقتصاديين ممن يحملون جائزة نوبل في الاقتصاد تجاه نفس القضايا الواحدة في أبعادها النظرية والتطبيقية، بما في ذلك مسارات التنمية المرغوبة والعقبات والمحاذير التي يجب التنبّه لها.
أما الفعاليات الاجتماعية، وفي المقدمة المواطن نفسه الذي هو هدف التنمية ووسيلتها، فلابد أن يندمج مع متطلبات تحقيق هذه الرؤية الطموحة. وعلى سبيل المثال، فإن المواطن الذي سوف يستفيد من عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي هو أيضاً نفسه الموظف الحكومي والموظف في القطاع الخاص الذي يُعَوَّل عليه لإنجاز عملية التحول وتحقيق أهداف «رؤية المملكة 2030»، وهو مطالب بمضاعفة الجهد والعمل بإخلاص وتفانٍ ونكران للذات.
سوف نتعلم من نجاحاتنا ومن أخطائنا، وسوف يتم البناء على النجاحات وتصحيح الأخطاء، لكن المهم هو أن ندرك جميعاً أننا إزاء عملية تحول تاريخي، وأن لكل فرد في هذا المجتمع دوراً في تحقيق النجاح المأمول الذي ليس لنا خيار سوى تحقيقه لأن البديل - لا سمح الله - سيكون غير سار فهو سوف يعني تكريس الحالة الريعية المؤقتة التي لن تسامحنا الأجيال القادمة لو تساهلنا في استمرارها.