د. عبدالواحد الحميد
ودعت بلادنا فقيد الوطن الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين المؤرخ والشاعر والأديب والمثقف الشمولي الذي رحل قبل أيام بعد معاناة طويلة مع المرض. وقد ترك فقده حزناً في نفوس أصدقائه وكل من عرفه عن قرب، ولكنه أيضا ترك فراغاً في الساحة الثقافية بما يتجاوز دائرة الأصدقاء والمعارف، فهو أحد الأعلام البارزين في هذا الوطن.
لقد أتاح لي القدر ان اتعرف على الدكتور العثيمين من خلال العديد من اللجان وفرق العمل ومن خلال زمالته في مجلس الشورى، وكنت قبل ذلك لا أعرف عن العثيمين سوى أنه أحد المؤرخين المعروفين في بلادنا، ولكن بعد أن زاملته في المجلس وفي بعض اللجان وفي الرحلات التي قمنا بها إلى بعض البلدان في إطار عضويتنا في المجلس تعرفت عليه عن قرب واكتشفت أن شهرته كمؤرخ ربما غطت على جوانب كثيرة في شخصيته لا تقل أهمية.
فهو بالإضافة إلى البعد الإنساني المحبب في شخصيته، وما يتمتع به من روح النكتة وعذوبة الحديث ولطف المعشر والتواضع الجم، مثقفٌ شمولي متابع لقضايا الفكر والسياسة والأدب ويحمل رؤية خاصة تجاه المتغيرات على الساحة المحلية والعربية والدولية.
ثم اكتشفت ولعه بالشعر حفظاً ونظماً، فهو يحفظ ويقرض الشعر الفصيح والشعر الشعبي ويملك موهبة الإلقاء بطريقة تحبب المتلقي بما يسمع وبخاصة الشعر الشعبي الذي يفقد جماله وحتى معناه عندما يلقيه من لا يجيد إلقاء هذا النوع من الشعر.
وفي أشعار الدكتور العثيمين يلمس القارئ حساً وطنياً عميقاً وتفاعلاً مع القضايا العربية، وبخاصة قضية فلسطين التي كان يعتبرها القضية الأولى للعرب والذي كان يحزنه تضاؤل أهميتها في خضم الأحداث التي تكالبت على العالم العربي في السنوات الأخيرة.
وقد أثرى العثيمين المكتبة المحلية والعربية بالعديد من المؤلفات والدواوين الشعرية، وتنوعت المواضيع التي تناولها في مؤلفاته ولم تقتصر على الجانب التخصصي الذي برع فيه وهو التاريخ.
ولذلك نجد العثيمين قد تطرق إلى قضايا سياسية ووطنية وأدبية ولغوية وثقافية متنوعة.
أما المواقع الإدارية والأكاديمية والثقافية التي شغلها وأسهم من خلالها في خدمة الوطن والثقافة فهي كثيرة ولعل من أبرزها منصب الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية وعضويته في مجلس الشورى والمواقع التي شغلها في جامعة الملك سعود وبعض الهيئات الثقافية في المملكة وخارجها.
سوف نفتقد هذا الإنسان الرائع الذي أثرى حياة من عرفوه بما يمتلكه من حس إنساني رفيع وسوف يفتقد الوطن إسهاماته وجهوده في الإصلاح وفي تقدم الوطن.
رحم الله أبا صالح وأسكنه فسيح جناته.