د. عبدالواحد الحميد
يبدو أن أي مشكلة اقتصادية تنفجر في أي جزء من العالم لا بد من اكتشاف خيط يربط الصين بها كأحد الأسباب المؤدية إلى حدوثها أو حتى كسبب رئيسي وربما وحيد أحياناً!
هذا، بالطبع، ليس ذنب الصين ولكنه يثبت الأهمية الكبرى لهذه الدولة التي ظلت لقرون طويلة منطوية على نفسها ومعزولة عن العالم منذ العهد الإمبراطوري وحتى زمن ماو تسي تونغ.
قبل عدة أيام خرج عمال قطاع الصُّلب في ألمانيا إلى الشوارع وتظاهروا أمام مقر المستشارية في برلين للمطالبة بحمايتهم من خطر التعرض للبطالة بسبب واردات ألمانيا من الصُّلب الصيني الرخيص!
نحن أيضا هنا، كدولة تعتمد على تصدير النفط، نتعرض لمصاعب جمة من جرَّاء هبوط أسعار النفط الذي يتفق الجميع على أن أحد أسبابه هو ضعف الطلب الصيني على النفط بعد تراجع معدل النمو الاقتصادي هناك الذي يظل رغم تراجعه أعلى من معدلات النمو الاقتصادي في الكثير من البلدان المزدهرة.
وتشكو الكثير من القطاعات والأنشطة في اقتصادات بلدان العالم الثالث والبلدان المتقدمة من مزاحمة المنتجات الصينية، بما في ذلك المنتجات التقليدية التي لا تعرفها الأسواق الصينية ولا المستهلكون الصينيون مثل المنتجات التقليدية الرمضانية في العديد من البلدان الإسلامية وأشجار أعياد الميلاد في المكسيك والولايات المتحدة. ومن المدهش أن نشاهد في أسواقنا منتجات صينية مصممة لبيئة سعودية صرفة مثل الأدوات المستخدمة في الرحلات البرية «الكشتات» وأدوات منزلية مثل «دلال» وفناجين القهوة وأباريق الشاي وغيرها. ومعروف أن الصينيين على استعداد لإنتاج أي سلعة بمجرد أن يقدم لهم التاجر المستورد في أي بلد المواصفات التي يريدها، ويمكنهم إنتاج تلك السلع بجودة عالية أو بمواصفات متدنية حسب الطلب وحسب التكاليف التي يرغب التاجر المستورد بدفعها.
أما في الولايات المتحدة فلا توجد مشكلة اقتصادية إلا ويجأر الأمريكيون بالشكوى من الصين ويتهمونها بأنها هي السبب! مشاكل العملات، والإغراق، والمنافسة، والاختلال في موازين المدفوعات، وضعف النمو الاقتصادي، وأي مسألة أخرى تمس الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر أو غير مباشر لا بد أن تكون الصين وراءها من وجهة نظر الأمريكيين.
لقد أصبحت الصين هي الصداع الاقتصادي للعالم، فضلاً عن الصداعات الأخرى التي تشكو منها دول العالم بطريقة أو بأخرى وترتفع فيها أصابع الاتهام للصين.
الصين تستحق الإعجاب، والجاليات الصينية في كل مكان عُرفت بالجدية وعُلُو الإنتاجية، وما شكوى الآخرين من نجاحات الصين وتأثرهم بما يحدث في اقتصادها من تغيرات إلا دليل على المدى الذي وصلته الصين في الساحة العالمية، ولا شك أن القادم أكبر وأعمق وهو للصينيين أجمل وأبهى.