د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
بعد حوالي الشهر تبدأ العطلة الدراسية لهذا العام، ومدتها مع احتساب إجازة عيد الأضحى قريب من أربعة أشهر، وسينقضى ثلثها الأول مع نهاية شهر الصوم المبارك. أغلب المواطنين يصومون ويقضون الصيف في وطنهم؛
قسم منهم يقضي العطلة في مناطق المملكة الباردة، وقسم آخر لا يتحمّل مشقة السفر أو تكاليفه أو لا يسافر بسبب ظروف العمل. فى النهاية إذن تمكث فئة كبيرة من المواطنين خلال شهري شوال وذي القعدة على الأقل في الديار. إن هم العطلة الدراسية وكيف يقضيها أولادنا ليس شيئاً طارئاً، فكلّنا نفكر فيه منذ دخول أول طفل فى المدرسة. فأما الأطفال الصغار فهم متعلقون بأهلهم ويلعبون في المنزل ومع أقرانهم، أو يذهبون برفقة الأهل إلى الملاهي أو النوادي (إن وجدت). أما الطلاب في الثانوية أو الكليات فالوضع مختلف، لأن استقلاليتهم تجعلهم يختارون النهج الذي يناسبهم في قضاء الوقت في تجمعات شللية إما في ملحق البيت أو في الاستراحات؛ وذلك وضع لا يريح أولياء الأمور، فتراهم دائماً يبحثون عن برامج صيفية مناسبة، رياضية أو ترفيهية أو عملية. ومن خبرة شخصية أعرف أنه كلّما كان الجزء (الصافي) من وقت العطلة قصيراً كان العثور على برنامج ملائم صعباً أو كان غير مُجدٍ بسبب قصر مدّته ومن ثَمّ ضعف محتواه. ولكن في هذه العطلة أمامنا شهران كاملان يتيحان فرصاً يستفيد منها الشباب لإنجاز أنشطة تزيدهم خبرة وعلماً في دراستهم أو مهنتهم أو تجلب لهم دخلاً إضافياً. وهذه المدة مثالية لأنها تقع بين إجازتي عيد الفطر وإجازة عيد الأضحى. وما يتبقّى من الوقت من الآن وحتى رمضان يكفي للاستعداد من قِبَل من بيده إتاحة الفرص، أو من يريد أن يغتنمها. أما الفرص الممكنة -كما يعلم الجميع- فأهمّ نماذجها:
أولاً- التدريب التطبيقي:
هناك من طلاب الجامعات والكلّيات والمعاهد العليا من يدفعه الطموح للبحث عن فرص للتدريب أو التطبيق العملي فى مجال دراستهم مثل علوم الطب والهندسة والقانون، وعلوم أخرى غيرها. وهذه الفرص ليس المقصود منها ما هو مقرّر فى المنهج الدراسي، ولا الفصول الصيفية الدراسية التي تنظمها بعض الجامعات؛ بل هي ما يختاره مثلاً طالب الطب في سنوات الدراسة الإكلينيكية ليقضي شهرين في أحد الأقسام الطبية بالمستشفى يستفيد خلالهما من مرافقة الأطباء. أو طلاب الصيدلة أو التمريض أو العلوم الطبية التطبيقية في أقسام من جنس تخصّصهم. أو طلاب الهندسة (حسب التخصص) في مكتب هندسي أو مصنع أو موقع مشروع. أو طالب القانون فى مكتب محاماة أو إدارة قانونية بمؤسسة. مثل هذا النمط من التدريب التطبيقي لا يثمر كثيراً إذا كان غير ممنهج ومنظم على الوجه التالى:
- أن يكون لدى المؤسسة التعليمية التي يدرس بها الطالب مكتب يطلب من الطلاب أن يتقدموا برغباتهم في التدريب مدة شهرين ويقترحوا مكان ونوع التدريب على أن يكون موافقاً لدراسة الطالب، وبدون ميزة مالية.
- أن يقوم المكتب بالتواصل مع جهة (أو جهات) التدريب لتوفير المقاعد المطلوبة مدة شهري العطلة وتحديد أهداف ومحتوى برامج التدريب.
- يجب أن يكون هناك حافز عملي يدفع الطالب للتسجيل ويحقق مبتغاه، بأن ينمّى قدراته العملية وإدراكه للمادة التي يدرسها، وأن ينتهي بوثيقة معتمدة تفيد في تقييم الطالب.
ثانياً- التدريب غير المنهجي:
كثير من المؤسسات التعليمية وغيرها من المؤسسات الحكومية والأهلية المتخصصه تقيم دورات تدريبية مجانية أو برسوم في العديد من الموضوعات، مثل اللغة الإنجليزية أو الحاسب الآلي أو الاقتصاد المنزلي، وهي تستطيع أن تفصّل دوراتها على مدة الشهرين وعلى مستوى الطلاب، بدون ارتباط بالتخصص الدراسي، وتكون برامجها وكذلك شهاداتها معتمدة ذات قيمة علمية ومهنية تحفز الطالب على الالتحاق بها. لكن الأهمّ هو الإعلان عنها فى أروقة الجامعة أو الكلية لتعريف الطلبة بها وبمزاياها التي من شأنها أن ترفد تأهيلهم الدراسي.
ثالثاً- العمل في أثناء العطلة:
في هذين الشهرين من العطلة يغيب كثير من الموظفين عن أعمالهم لقضاء الإجازة، كما أن عدد زوار المرابع السياحية يزداد. في كلا الحالتين يؤثّر نقص الأفراد على سير الأعمال بدرجة كبيرة أو صغيرة، وتتولّد الحاجة إلى من يسدّ الثغرة، خاصة في الأنشطة الموسمية التي تزدهر وقت الصيف. وبعض الأعمال يسهل تعلّمها في بضعة أيام أو ربما بضع ساعات، مع أنها ليست أعمالاً سهلة من حيث الانضباط وحسن التعامل وحجم العمل. ولعل الكثيرين منّا قد شاهدوا في المناطق السياحية مثلاً شباباً يقومون بخدمة الزبائن في المقاهي والمطاعم، أو بالاستقبال والتسجيل في بعض المرافق، أو بالعمل في بعض المحلات التجارية أو المكتبات أو المتاحف أو بالإرشاد السياحي، أو غير ذلك من الأعمال التي تشتدّ الحاجة فيها إلى موظفين مؤقتين. بعض المؤسسات والشركات الكبرى توفّر فرص عمل للطلبة كنوعٍ من المسؤولية الاجتماعية أو الدعاية. الحافز القويّ وراء البحث عن فرص عمل في العطلة هو بطبيعة الحال كسب مردود ماليّ.
غنيّ عن البيان أن النماذج الثلاثة السابق ذكرها عن استغلال وقت العطلة الطويل معروفة، وليس فيما ذكرته شيء جديد. إنما المراد من ذكرها هو تأكيد الأهمية الاجتماعية والشخصيه لها من حيث شحذ همم الشباب واستغلال قواهم ووقتهم في عمل منتج مفيد. لكن ذلك من السهل قوله والصعب فعله، إذا لم تسهم الجامعة أو الكلية في تشجيع الطلبة وتهيئة الفرص، وتقوم بالتواصل مع الجهات التي في إمكانها توفير تلك الفرص. ولم لا؟ جامعة الملك سعود كانت تقوم بذلك مع شركة أرامكو قبل خمس وخمسين سنة - أي فى سنوات نشأتها! (محمد السيف - كتاب: ناصر المنقور - 1436هـ).