د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
منظر يتكرر - إن لم يكن في كل آن ففي كثير من الأحوال، إن لم يكن في كل المقابر ففي بعضها، وإن لم يكن في كل المدن ففي الرياض على الأقل - ذلك هو الفوضى التي تصاحب مظاهر تشييع الجنازات -
.. تغمّد الله المتوفَّين برحمته. وهو موضوع كتبت وكتب غيرى عنه مرّات عديده. فإن الشرع المطهّر بيّن لنا أن إكرام الميت دفنه، ومنع المظاهر التي تميّز القبور فتعظّم أصحابها بشكل أو بآخر قد يقود للشرك مثل التبرّك والتوّسل. وما يتم في تجهيز الميت والصلاة عليه ودفنه يتوافق ولله الحمد - بدون استثناء - مع الشرع. وعملت البلديات على توفير وتنظيم معظم ما يلزم من المرافق والخدمات - ولكن ليس كل ما يلزم. ولهذا تجد الفوضى سبيلها إلى حدوث ما لا يمكن عدّه من إكرام الميت. وسأتخذ مقبرة أم الحمام مثالاً - ليس وحيداً- أعدّد فيه ما أزعم أنه يُحدِث الفوضى.
1- ليس من النادر أبداً أن يُصلّى على عدد كبير من الموتى، ويُشيّعون إلى المقبرة ليدفنوا في صف من القبور المتقاربة. لذا يختلط المشيّعون. وكم من مرّة أطلنا الوقوف مع جمع منتظر أمام أحد القبور ظنّاً منا أن الميت صاحبنا، ثم نكتشف أنه ليس هو. وحتى عندما يتجه الأقارب بعد الدفن إلى مكان لاستقبال المعزّين، لا يتبيّن أحياناً موقعهم. المقترح هو:
- أن يكون لدى قيّم المقبرة شيء كالعصا الطويلة يثبّت في أعلاها قطعة من الخشب أو الكرتون يكتب عليها اسم المتوفَّى، ويسلّمها لأحد الأقرباء ليرفعها فيراها المشيّعون.
2 - أشق اللحظات على أقارب الميت وعلى المشيّعين هي ما يحصل بعد الدفن من تكالب المعزّين على أقرب أقرباء الميت، إذ يتدافعون عليهم، كلٌّ يريد السبق، وكلٌّ يريد العناق مع المصافحة. يُرهق الأقارب - وهم في حالة حزن ووهن - ويُرهق المعزون. فهل هذا من إكرام الميت؟ وإذا كنا لا نريد أن نتعلّم من غيرنا، فلماذا لا تساعد البلدية في ذلك؟
المقترح:
- وضع خط بطول خمسة أمتار مثلاً أو أيّ معلم مناسب في اتجاه عمودي نحو القبر يصطفّ الأقارب بمحاذاته لاستقبال المعزين واحداً واحداً، ويساعد نقل اللوحة المرفوعة إلى رأس الخط (المعلم) على تحديد نقطة البداية في العزاء. ومن اللازم في هذه الحالة أن لا يكون هناك تجمّع حول القبر - وهو شيء لا مبرّر له - بل يتجمّع المعزون على بُعدٍ مناسب. وهذا التنظيم يتطلب شيئاً من التوعية في أول الأمر إلى أن يألفه الناس.
3 - الحفر والنتوءات وأكوام اللبن وحواجز البلُك تغطّي مساحة كبيره من أرض المقبرة، فهي مظهر غير لائق في مكان يودّع الناس أحبّاءهم فيه، وهي تضيّق على المعزّين في الحركة والوقوف، وتؤدي إلى تكوّن البِرك وقت المطر. الواجب فعله هو:
- العناية بأرضية المقبرة من حيث تسويتها ونظافتها، لما في ذلك من احترام للميت والمقبرة والمشيّعين أيضا. ويعتبر هذا مكمّلاً لعناية البلديات بتسوير المقابر.
4 - في حمّارة القيظ - وهي مقبلة -
يعاني كلٌّ من أقارب الميت ومشيّعيه من حرارة الشمس في وقت الدفن واستقبال العزاء. الواجب فعله:
- أن تكون المقابر - كما طالب به الكثيرون - مجهزة بمظلّات متحركة أو قابلة للتركيب بيُسر وسرعه لتقي من حرارة الشمس (وأيضاً تفيد في أوقات هطول المطر) إن لم يكن لكل الحاضرين فلبعضهم على الأقل. ولو رأى الأموات هذه المعاناة لانفعلوا في قبورهم، لكن البلديات ترى وتعي - فلماذا لا تستجيب؟ (وفى السياق نفسه يجوز التساؤل عن سبب إحجام معظم الناس عن دفن موتاهم وقت المغرب أو العشاء عند إضاءة مدخل المقبرة وإضاءة موضع القبر أو القبور بكشافات متحرّكة. فذلك يجنّب الناس حرارة الشمس صيفاً، ويقلّل من الازدحام الحاصل عند تشييع جنائز كثيرة في وقت واحد).
5 - لا شك أن وضع المقابر يختلف من مقبرة لأخرى ومن مدينة لمدينة، وما أوردته بشأن مقبرة أم الحمام التي أوشكت الآن على الامتلاء قد لا ينطبق على غيرها. لكن جميع المقابر في كلّ أنحاء المملكة تابعة للبلديات، أي لوزارة الشؤون البلدية والقروية. ولا شك أن صلاحياتها تشمل جميع ما يتعلق بالمحافظة على لياقة وكرامة المقبرة والتيسير على أقارب الميت والمشيّعين، لأن هذا كلّه من إكرام الميت. وما جرى ذكره هنا - وربما غفلت عن أشياء أخرى لن تفوت على غيرى - من آراء ومقترحات لا يمسّ أموراً تعبدية، أو يناقض القول بالتقشف في المظاهر الدنيوية لكون الدنيا دار فناء، أو أنه من البدع المحدثة، وإلا لكان دخول سيارات تثير الغبار وتسبب الزحام إلى المقابر أولى بالمنع. لذلك فإن الخطاب موجّه إلى البلديات لأنها الوحيدة صاحبة الصلاحيات، وهي المسؤولة عن تطبيق صلاحياتها، ولا أحد غيرها.