د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
الجوانب السلبية في ثقافتنا الاجتماعية يصعب تغييرها، إذا لم نعالج الجوانب السلبية في نظمنا وثقافتنا الإدارية؛ لا سيّما:
- تقليص الفارق الشاسع بين متطلبات العمل في القطاع العام والقطاع الخاص، من حيث طول الدوام، مدة الإجازة الأسبوعية، مراقبة وتقييم الأداء، ربط الحوافز المالية والوظيفية بكفاءة الأداء، إيجاد التنظيم الفعال الذي يكفل التزام الموظف الحكومي من جهة، ويزيل القلق بشأن الأمان الوظيفي لدى موظفي القطاع الخاص من جهة أخرى. ما سبق ذكره يتطلب إعادة النظر في أنظمة قائمة أو الإسراع بإصدار أنظمة جديدة.
- تفعيل دور الرقابة والمتابعة من خلال إدماجها مع الدور التنفيذي - أي جعلها جزءاً لا يتجزأ من العمل اليومي للمسؤول ومن عمل كل إدارة، بحيث لا يكتفى بإقصائها في إدارة منفصله تحت أي اسم، ورمي المسؤولية عليها. فالرقابة على أهميتها لم توصف (سلطة خامسة) لأنها أصلاً ضمن السلطة التنفيذية. فلا أحد يحسن الرقابة مثل من يعرف طبيعة العمل ويمارسه. وهذا هو مفهوم (الحوكمة) الحديث الذي أصبح مطلباً أساسياً لنجاح المؤسسات.
- سواء في تطبيق الأنظمة أو في ممارسة الرقابة على الأداء والتزام النظام أو ممارسة الإجراءات التصحيحية أو العقابية، لا بد في الحقيقة من الجدية والصرامة والعدالة في التطبيق. إن هذه نقطة ضعف يستغلها الكثيرون كممرّ لتكرار التجاوزات أو النفاذ عبر الثغرات النظامية، أو لمواجهة سلطة النظام بسلطة المنصب او الوجاهة.
ثانياً- خلق الوظائف لاستيعاب أبناء المملكة: هذا هدف استراتيجي من شقّين: أحدهما أن برنامج التحول - إذا ما تذكّرنا وعود دراسة (ماكنزي) حول مستقبل التنمية في المملكة وتصريحات مسؤولين عن السياحة وعن المدن الصناعية، وإنشاء هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة - سينتج ملايين الوظائف، ومن ثَمّ فرصاً وظيفية لا حصر لها للباحثين عن العمل، أي سيقضى على البطالة، وهذا هو الشق الثاني من ذلك الهدف.- أي توطين (أو سعودة) الوظائف، سعودة حقيقية لا وهمية، كما هو الحال مع برنامج نطاقات الراهن. هذا الهدف يمكن تحقيقه فعلاً إذا تَمّ انجاز ما بُدئ به على هون حتى الآن:
- المضيّ قدماً في برامج التأهيل الواعدة بخريجين يلبّون حاجة سوق العمل الخاص والعام.
منها برامج الشراكة الاستراتيجية مع الشركات المنتجة الكبيرة التي تنفذها المؤسسة العامة للتدريب التقني، وفقاً لمبدأ التأهيل (المهني) في المعهد (أو الكلية) والتدريب في موقع الشركة، والنتيجة خريج ملمّ عملياً بمهنة تُمارس فعلاً وعارف ببيئة العمل ومتطلباته. ومنها ما سبق الإعلان عنه يوم كان سمو الأمير خالد الفيصل وزيراً للتربية والتعليم، وهو التعاون بين الوزارة ومؤسسة التدريب التقني في إدخال مناهج التعليم الفني المهني ضمن المرحلة الثانوية. هنا يكون التأهيل مشتركاً بين الوزارة والمؤسسة والتدريب العملي ترتبه المؤسسة مع القطاع الخاص.
إن هذا البرنامج يوسّع قاعدة قوى العمل الفنية السعودية، ويقضي على الخطأ الذي نرتكبه منذ سنوات عديده بإلقاء كل خريجي التوجيهية في أتون الجامعات ليلهثوا وراء بكالوريوس يقودهم للبطالة. ومنها البرنامج الذي أعلنته وزارة العمل مؤخراً باسم (التوطين الموجه) الذي أعتبره أول خطوة منهجية علمية لتوظيف الشباب السعودي في القطاع الخاص، وإن كان ليس ممكناً دائماً حصر بعض المهن على السعوديين 100% - كما أظهرت التجارب - ولكن بتدرج النسب، المدعوم بحوافز وتنظيمات تسهيلية؛ مثال ذلك غلق المحلات في التاسعة مساء وتقليص الفوارق بين القطاع العام والخاص....الخ.
- دعم عمل المرأة - ليس فقط بتوفير الوظائف وبيئة العمل المناسبة - بل بإصدار الأنظمة والقرارات التي تشجع المرأة على العمل، وتشجع أصحاب العمل على توظيفها، وتكفل حقوق العنصر النسائي المرتبطة بعملهن مثل الحق في كيفية الوصول إلى مكان العمل بحريه وفى تولّي المسؤوليات القيادية وفي الحضور والمشاركة في مناقشات الاجتماعات والورش والندوات حسب طبيعة عملهن، دون حجبهن أو إقصائهن بسبب جنسهن - مع تمسّكهن بما هو مفروض بحكم الشرع وليس بحكم التقاليد.
هذا غيض من فيض الخواطر المتحمسة لبرنامج التحول الوطني والتوّاقة لنجاحه وظهور ثمرته.