فيصل خالد الخديدي
يُعرف الموهوبون بأنهم الأفراد الذين توجد لديهم إمكانات وقدرات غير عادية أو تقليدية تميزهم عن أقرانهم تميزاً عقلياً أو معرفياً أو قيادياً أو علمياً أو فنياً، ويحتاجون إلى برامج رعاية خاصة نفسية ومعرفية ومهارية، والموهبة الفنية استعدادات فطرية عالية للتفوق في الرسم والنحت والتلوين وتشكيل المعادن والأخشاب... وغيرها من المهارات اليدوية، وهذا التفوق يكون في مهارة أو أكثر من هذه المهارات، ولا تكفي الاستعدادات الفطرية وحدها لجعل الشخص فناناً، بل لابد من تنميتها وصقلها ولابد من الرعاية والتوجيه المستمرين للموهوب حتى تكتمل موهبته من النواحي الفنية والعلمية والثقافية والنفسية، فقد تبين من الدراسات أن للبيئة دوراً كبيراً سواءً في تنمية المواهب الفنية أو إعاقاتها عن النمو والبروز، وتبدأ رعاية الموهبة من الفنان نفسه وذلك بإيمانه بقدراته والعمل على تطويرها سواء شخصياً أو من خلال المؤسسات الثقافية والفنية والأكاديمية وعادة ما تكون رعاية الموهبة الفنية وتنميتها من خلال الممارسة الفنية بشكل دائم والتجريب في الخامات والأدوات والوسائط الفنية المتنوعة والتعرف على السبل الصحيحة في التعامل مع الخامات والأدوات وهو ما يُنمي الجانب التقني المهاري للموهبة ويصقلها، وأيضاً تأتي الثقافة بشقيها البصري والمقروء -إن صح التعبير- داعمة ومُنمية للموهبة من جانبها الفكري فالقراءة في شتى المجالات تفتح آفاقا ورؤى أوسع للفكر والإبداع، والاطلاع على المعارض والمتاحف والتجارب الحديثة يغني الذائقة البصرية ويثريها ويجعلها على اتصال بكل ما هو جديد في عالم الفن، فالفن موهبة ومهارة وفكر واستمرار بالعطاء، وتنميته المواهب والفنانين بالشكل المنهجي والعلمي يضمن استثمارهم وتقديم الموهبة المستحقة في المكان والمستوى المناسب لها، ولكن مع سطوة الماديات والصناعة الإعلامية في عصرنا الحالي ظهر ما يعرف بصناعة الفنان من أشباه المواهب وحتى عديميها، ودعمهم إعلاميا ومادياً ليصبحوا متصدري المشهد بلاموهبة ولافكر ولاحسن إنتاج، وإسباغ عليهم الألقاب الفضفاضة التي لم يحظ بها أباطرة الفن على مستوى العالم أجمع. إنها صناعة من التافهين رموز ومن الفارغين قدوات، فعدد المتابعين بالملايين في مواقع التواصل الاجتماعي لطفل عديم الفكر والموهبة وبلاهوية ولا رسالة جعل منه نجم مؤثر يقتدى به ويتابع في المحافل وتدفع له المبالغ الطائلة ليطل بضحكة فاترةاذجة في تسطيح لعقول البشر وقتل للمواهب الحقيقية في شتى المجالات.
إن تضخيم ترسانة الإعلام والمال لكثير من عديمي الموهبة ودعمهم ليكونوا أدوات لأهداف بعيدة عن الفن وإنسانيته وجعل منهم رموزاً وقدوات على حساب المواهب الحقيقية أصبح سمة للعصر بل وصمة حتى في الساحة المحلية لتسود ثقافة القطيع ويسهل التوجيه والتسطيح للفكر والثقافة والفن، ومع ذلك ستبقى المواهب الحقيقية وإن عانت التجاهل والجحود وعدم الفهم هي الأبقى والأنقى كما قال الشاعر:
وكم من كلام قد تضمن حكمة
نال الكساد بسوق من لايفهم
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته
والذنب للطرف لاللنجم في الصغر