فيصل خالد الخديدي
يتحمل الفنان التشكيلي محلياً الكثير من الأعباء ويتجاوز العديد من العقبات ليبرز بفنه ويطور نفسه وأدواته وينشر رسالته، ويظهر بمنجزه للمساحة المستحقة؛ سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، وفي جميع الحالات جل الضغط والتضحية تقع على الفنان ومنه لأجل فنه ورسالته، فأصبح الفنان أشبه بشجرة باسقة خضراء مزهرة مثمرة ظلالها ممتدة في أرض صحراء قاحلة لاتمدها إلا بجفاف سطحها وحر وهجير شمس سمائها...
أصبح التشكيلي بالسعودية يعتمد في مدخوله الشهري وقوته اليومي على وظائف رسمية وأعمال أخرى لا تقترب غالباً من المجال الفني ليتقاسم مدخوله منها بين متطلبات الحياة وحياته لفنه، بالإضافة إلى ما يشكله العمل ومهامه من عبء إضافي يُزاحمه في إشباع الهم والهاجس التشكيلي، وهو ما جعل التشكيلي بين خيارات أحلاها مر علقم، فإما أن يسوق لنفسه بنفسه ويجتهد بذاته لفنه على حساب إهماله في عمله الوظيفي، وإما أن يلقي بنفسه وأعماله في براثن جشع المسوقين وسلطويتهم على حساب هويته وإبداعه من أجل أن يدعم أعماله واستمرارها, أو أن يتخلى عن شيء من قوت يومه ودخله الوظيفي الثابت بالتقاعد المبكر ليتفرغ لفنه ومنجزاته.
تأتي منح التفرغ للفنانين والفنانات والمبدعين في شتى المجالات حلاً عملياً وعلمياً لدعم المبدعين وإنتاجهم والاستفادة والإفادة من كامل طاقاتهم لأجل مجتمعهم ومجال إبداعهم، ومنح التفرغ ليست بحديثة ولا محدثة فهي موجودة ومفعلة بشكل جيد من سنوات طويلة في العديد من الدولة المجاورة كمصر والكويت وغيرها من الدول العربية والعالمية، ففي باريس قبل أعوام وفق تقرير منشور في إحدى القنوات الفرنسية الناطقة بالعربية بلغ عدد الفنانين التشكيليين المفرغين بمنح حكومية أكثر من اثني عشر ألف فنان في باريس فقط.
أما على المستوى المحلي، فإن منح التفرغ لازالت مطلبا ملحا قديما متجددا لم يتحقق ولازال فاقدا المواهب والمبدعين وتعطيلهم يثقل الساحة الثقافية المحلية ومعطل للمبدعين أنفسهم، وأصبح هدرا للطاقات البشرية والعقول المبدعة، والتي هي رهان الأمم ومصدر تقدمها وتطورها.
إن التعامل العاجل مع منح التفرغ واقرارها بالصيغ الرسمية من جهة الاختصاص أمر بالغ الأهمية ومطلب للشريحة العظمى من المبدعين في شتى المجالات وعلى رأسها التشكيلية، فتفريغ مستحق لمئات المبدعين في شتى المجالات يضمن لنا مشاريع جادة ومبدعة تخرج للساحة المحلية بعد انتهاء فترة كل منحة سواء كانت سنة أو سنتين على حسب التنظيم والشروط التي تقر وتُتبع جميع التنظيمات واللوائح لمنح التفرغ لإدارة متخصصة في وزارة الثقافة تستفيد من التجارب الناجحة في الدول المجاورة والعالمية وتقدمه مشروعاً عادلاً منصفاً داعماً للفن بحق وفق صيغة علمية ورؤية عملية تساهم في البناء وتكفل الاستمرار في العطاء فشباب الوطن يستحق الدعم وتحويل صيغ الجوائز المهدرة إلى صيغة منح تفرغ منتجة تخدم الفنان والساحة والفن وقبل ذلك الوطن.