فيصل خالد الخديدي
تعتبر الأعمال الفنية نصوصاً بصرية مفتوحة قابلة للتأويل بما تحمله من علامات ورموز ذات دلالات وفق علاقات ملموسة وحسية ومتخيلة وأخرى مشفرة، ففي أبسط المستويات تأتي العناصر الفنية بالعمل على هيئة رموز ذات مضامين ظاهرية وأخرى عميقة لها دلالات تتنوع وتتلون شكلا ومضمونا حسب نسق علاماتي للمنجز ، تحكمه علاقات أسسية بينية تساهم في بنائية عناصره الإنشائية وتعالقاتها.
إن العناصر التشكيلية التي توجد عادة في العمل الفني تعد رموزاً للغة تشكيلية مفرداتها النقطة والخط واللون وعلاقاتها الوحدة والاتزان والتوافق.. وغيرها من العلاقات.
والرمز يعد طرفاً في عملية التواصل التي تستوجب مرسلا ومستقبلا بصريا ورسالة, وهو أيضاً علامة تدل على معنى ومدلول له وجود قائم بذاته، والرمز في الفن لب العملية الفنية فإن غاب الرمز غاب الفن، كما ذكرذلك بودلير في قوله «إن المعرفة الجمالية نقيض المعرفة العادية، إنها معرفة رمزية، فإن غاب الرمز غاب الفن».
إن الاشتغال على قراءة الرموز في العمل الفني وتحليلها وتفكيكها وإعادة بنائها أمر ليس باليسير ولا المؤطر بمحددات قياسية وإنما نسبي متباين, وذلك لما تحمله الرموز الفنية عادة من طاقة ذاتية تختلف من مبدع لآخر ومن منجز لغيره وهي ما يحيل القارئ إلى علاقات ذاتية من التأويل بين المرئي واللامرئي والظاهر والباطن فاختلاف المحمول الثقافي وعمقه لدى فنان عن آخر يظهر في آلية تعاطيه وخلقه لرموزه وبثها من خلال عمله الفني حتى لوتشابهت الرموز أو تقاربت العناصر بين منجزات عدد من الفنانين تبقى طاقة المبدع الذاتية حاضرة وفارقة في وصول رسالته بجميع مستوياتها الدلالية والتكوينية وحتى الجمالية ,ومهما كانت محاولة القارئ في التعامل مع المنجز الفني بمعزل عن الفنان المنجز للعمل جادة فإنها لا تزال منقوصة وغير مكتملة وذلك لأن الرمز عند الفنان متغيرا ومتطورا حسب ذاتية الفنان ورؤيته وغير منعزلة في علاقتها وارتباطها بالسياق الاجتماعي له وهو مايجعل القراءة الفنية للعمل والمنجز أكثر انفتاحا وأقل تأطيراً بأطر محددة وممنطقة، فاكتناز الرموز التشكيلية في العمل بمستويات متعددة من الرؤى الدلالية جعل القراءة والتأويل من خلال الرمز وما يحمله من معاني متعددة ومتنوعة داخل العمل الفني ذاته تأتي بمستويات عدة من خلال علاقة الرموز فيما بينها داخل التكوين بشكل عام ومرتبط بالجانب التأويلي، أومن خلال التركيب الرمزي بين رمز وأخر، أويأتي بمستوى دلالة الرمز ذاته بمعزل عن بقية سياقه النصي.
قراءة الأعمال الفنية بكونها نصوص بصرية سواء حديثة معاصرة أو ما بعدها وحتى التاريخي منها تتطلب عمقاً وثقافة وإلماماً بماهية الرموز والعلامات ودلالتها الظاهرية والمكونة وكيفية تحليلها وتفكيكها وتركيبها وقراءة ماتشفر منها وما أختزل ليكون القارئ والناقد ميسر وحلقة وصل بين المنجز والمتلقي والفنان بشكل منهجي واعي يبحر في المحسوس ويعيش في المتخيل.