فيصل خالد الخديدي
إن البحث والتجريب في اللون والملونات وتأثيراتها وملامسها وسطوحها مجال خصب وبحر لا نهاية له، وهو ما أشغل وأشعل جذوة روح الربان المغامر عند ابن الساحل الجنوبي ليمتد بحثه وتجريبه في اللون وبحوره من الساحل الجنوبي للغربي، ناثراً دُرر أعماله في جميع اتجاهات بوصلة الفن الأصلية والفرعية، فخاض غمار اللون وتلاطم أمواجه وهو ما فتح المجال لربان اللون لأن يستفيد من كل شيء متاح من ملونات ليوظفه في أعماله مضفياً عليها سطوح وملامس متنوعة ومتجددة، اللون عند الفنان محمد الرباط مغامرة يخوضها بكل جرأة وتمكن معتمداً على محموله الفني وتأسيسه الجيد وممارسته الدائمة وجرأته في استخدام كل ما يمكن استخدامه في إظهار ملامس وسطوح وتأثيرات لونية جديدة في أعماله فكان اشتغاله على التجريب والبحث الدائم في اللون هو ما جعله يصل لروح اللون دونما ثرثرة مفردات ولا كثرة عناصر فاختزالات العناصر الشكلية وتجريدها أوصله لجمال اللون ونقائه وحيويته في أعماله فغدت آسرة بأقل مفردات وأكثر جماليات، ولعل هذا الاختزال الشكلي بالإضافة لتمكن الفنان في اللون جعله يجرد الشكل ويبني بناء من لون عوضاً عن بعض المفردات الشكلية، ولم يكن ذلك للفنان الرباط إلا بعد أن قضى أكثر من خمسة وعشرين عاماً في عمل دؤوب بمشروعه الجمالي والإنتاج المستمر والنحت في مفرداته الفنية وألوانه والتنقل بين أكثر من وسيط في الخامات وأكثر من أسلوب في الممارسة الفنية ليصل إلى المنجز الحالي المتماسك أسلوباً وبناءً بقيم جمالية وفنية مريحه بصرياً، وذات قدرة فنية عالية، رحلة الرباط الفنية امتدت في أكثر من اتجاه فأبدع في فن الكاريكاتير لسنوات، وأجاد وأتقن في تصميم الحلي والمجوهرات ودرس الخط العربي القاعدي والحر، وأنتج منه أعمالاً مميزة في التشكيل بالحرف, وكان المنجز الفني لديه ينمو بشكل منهجي بدأ بأعمال واقعية تدرج بعد ذلك بأكثر من أسلوب بين سريالية وتجريدية حتى وصل لمنجزه السهل الممتع الممتنع على من لا يحمل جرأة وقدرات الرباط، فاللون لديه في حراك مستمر على هيئة أمواج ديناميكية الحركة والهيجان دونما إرهاق لـ(كُنه) اللون ولا نقص من دسامته وتشبعه، أما تكوينات أعماله عادة ما تكون بؤرية تبدأ كتلها من منتصف العمل وتنطلق إلى فضاء متلاشي في أطرف العمل، كما أن تعامله بجرأة مع الحرف العربي أكسبه حرية أكثر وأخرجه من سياقه واستخدامه الطبيعي والدلالي إلى سياق جمالي ساهمفي بنية عناصر ومفردات أعماله من شخوص وخيول وزخارف ومعظم أشكال أعماله محملة بالحرف أو شيء منه.
إن المتتبع لمسيرة أعمال الرباط يجد أنه أمام منجز ضخم لفنان عشق اللون والتجريب فيه ولم يتوجس من استخدام ما يثري عمله فأهتم بتطوير تقنياته وأدواته ولم يبخل في نقل خبراته، فكانت تقنياته متاحة للكل وأعماله منفتحة على الجميع بجمالها وحيويتها فأثرى وأثر في كل من عرفه عن قرب فهو فنان متطور في ذاته وعمله ومثري ومؤثر فيمن حوله.