عمر إبراهيم الرشيد
لا يختلف اثنان على أن إمارة دبي قفزت بتنميتها إلى الأمام خلال فترة تعد قصيرة جداً في عمر الأمم، وهي تستعد حثيثاً لوقف الاعتماد على النفط كمصدر دخل بشكل نهائي خلال فترة وجيزة أيضاً. ومعلوم أن صناعة الترفيه والسياحة وقطاع الفنادق والمؤتمرات كل ذلك بات يشكل مصدر دخل هائل لهذه الإمارة، ما جعلها تتبوأ مكانة عالمية كونها تستقبل سنوياً عشرات الملايين من الزوار والسياح من مختلف بقاع العالم.
وحقيقة فإن أي مواطن خليجي محب لوطنه ومن ثم لباقي دول الخليج، بل وأي بلد عربي أو إسلامي، يشعر بالغبطة أن تقدمت إحدى دوله في مجال ما أو أكثر؛ عدا عن أن أيّ تميز في أيّ حقل، يرجى منه أن يؤثر أو ينقل العدوى الإيجابية إلى دولة خليجية أخرى، خاصة أن دول المجلس -ولله الحمد- هي الكيان الوحدوي الذي استطاع الصمود في الوطن العربي، على أن الشعوب الخليجية تستشرف اكتمال الاتحاد لجني ثماره السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
حالياًٍ فإن إمارة دبي ينتظرها رفع أعلى مبنى أو برج في العالم لم يعلن عن ارتفاعه حفاظاً على الرقم القياسي حتى لا يكسر من قبل مدينة أخرى.. والأرقام القياسية هي فلسفة راسخة في المنظومة التنموية للشيخ محمد بن راشد حاكم دبي ورئيس الوزراء في دولة الإمارات الشقيقة، والذي استطاع خلال سنوات عديدة وعمل لا يكل تكوين فرق عمل أحسن توظيفها واستغلال كل مميز في مجاله مع إطلاق الطاقات الخلاقة وحرية الإبداع. هذا اذا أضفنا كذلك أن دبي ودولة الإمارات عموماً بدأت من حيث انتهى الآخرون ولا تتأخر في الاستفادة من الجديد في توظيفه واعتماده إن كان نظاماً أو تقنية أو فكرة.. إنما وبطبيعة البشر المجبولة على النقص، والكمال لله وحده، فكل جهد وعمل بشري لابد وأن يعتريه النقص أو الخلل جزئياً أو حتى في مرحلة معينة.. وكل بناء أو ترميم فلابد من أن يحدث أثراً هنا أو خللاً هناك، وهنا تأتي الاستعانة بتجارب الدول والشعوب واستخلاص الدروس منها ومن التاريخ عموماً، وأخذ مشورة الحكماء والخبراء المشهود لهم، وهذا ما تفعله كثير من الدول والحكومات حول العالم ومنها الإمارات.
قلت: إن الأرقام القياسية فلسفة راسخة لدى حكومة دبي من خلال مراكز التسوق والأبراج والمرافق الحيوية كالمطارات وغيرها، وأذكر مقولة للشيخ محمد بن راشد أنهم يسعون لتكون دبي الأولى في كل شيء، وجميل وعظيم هو الطموح وهو وقود الإنجاز والإبداع، ولكن هل بمقدور أي دولة في العالم ومهما أوتيت من إمكانات أن تكون الأولى في كل ما تريده؟. هذه أمريكا أقوى دول العالم اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً لكنها أكبر الدول ديناً في العالم كذلك، ولديها مشاكل عرقية واجتماعية، بل وحتى صحية وأمنية، فهل استطاعت أن تكون الأولى في كل شيء. والأمر نفسه يقال كذلك عن دول كألمانيا واليابان والصين وغيرها.. فالعوائد الحقيقية تنموياً وحضارياً وبشرياً إذا تم تشييد أعلى برج في العالم في دبي أو في جدة كذلك؟. هل هو الهوس بالأرقام القياسية لا أكثر؟، ما فائدة هذا السباق في تشييد أعلى الأبراج، ولو تم صرف هذه الجهود والموارد والأموال للتركيز على التعليم والصناعة والتنمية البشرية خاصة في المناطق المحتاجة سواء في الإمارات أو في غيرها، حتى يكون هناك توازن في التنمية وتكامل اقتصادي واجتماعي، أفلا يكون هذا خيراً من مئة برج أو ناطحة سحاب؟!.. طابت أوقاتكم.