عمر إبراهيم الرشيد
سئل الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن قراءته للصحف إنْ كانت عبر الإنترنت أو ورقياً، فأجاب بأنه اعتاد لمس الصحيفة الورقية بيديه أو لنقل أدمن ذلك. ملمس الورق وعبق حبره يعشقه أولئك المدمنون على صحبة الكتاب بهيئته الأصلية الورقية وكذلك الصحف بشكلها التقليدي لا الإلكتروني.
إنما من المعروف أنّ توزيع الصحف المطبوعة من جرائد ومجلات ودوريات قد تراجع كثيراً منذ اندلاع الثورة الرقمية، وصحف عالمية عريقة قصر بعضها إصدار أعدادها على نسختها الإلكترونية وألغت المطبوعة. في أمريكا والدول الغربية والرائدة آسيوياً، يعزى الأمر إلى شيوع التقنية وسهولة الحصول عليها وأخذ الجانب الاقتصادي في الاعتبار، لكن القراءة أيضاً عادة متأصلة لدى الكبار والصغار هناك وفي الأماكن العامة ووسائل المواصلات، مع أن الكتاب الورقي أمريكياً وغربياً مازال بخير مقارنة بباقي دول العالم وأرقام التوزيع لدى كبرى دور النشر هناك تثبت ذلك.
لدينا في عالمنا العربي تختلف القصة، فالقراءة في الأساس ضعيفة نتيجة تفشي الأمية في بعض الدول العربية من أثر الصراعات والحروب والفقر، وحتى في باقي الدول العربية فمعدل القراءة ورقياً كان متدنياً جداً. ثم لما وصلت طلائع الثورة الرقمية في منطقتنا انتشرت معها عادة القراءة، لكنها قراءة خبرية مع التركيز والانبهار بالصورة ثابتة ومتحركة، وصدمة مواقع التواصل وسرعة انتشار الخبر حقيقياً أو زائفاً كومض البرق، صدمة لم تفق منها مجتمعاتنا بعد. إلا أنه يجدر التذكير بأنّ هذه العادة الحضارية والراقية وهي القراءة الجادة قد بدأت بالانتعاش لدينا، ويشهد على ذلك هذه الجموع التي تتوافد على معرض الرياض للكتاب، الذي هو أكبر معرض في الوطن العربي من حيث الشراء وعدد الزوار وهذا فخر لنا وللوطن، وله دلالات كبيرة أهمها مكانة الكتاب والثقافة لدى السعوديين، وقدرة هذا الوطن العزيز على العطاء رغم كيد الأعداء ولله الفضل والمنة.
( نيو دي ) صحيفة ورقية وُلدت قبل أقل من شهر في بلد الصحافة العريقة بريطانيا، في خطوة جريئة مغامرة خاصة أنه لم تصدر صحيفة ورقية جديدة هناك منذ ثلاثين عاماً، وفي هذه الظروف الاقتصادية الحرجة، مع تراجع توزيع الصحف المطبوعة كما هو معروف، وتوفرها على الأجهزة الذكية الصغيرة. المتحدث باسم شركة ( ترينتي ميرور ) والتي تطبع 240 صحيفة محلية وإقليمية قال معلقاً ( إن الناس عزفوا عن الصحف الورقية ليس سأماً منها وإنما لعدم رضاهم عن محتواها ). لم تكتف الشركة الإعلامية بذلك بل امتنعت عن إنشاء موقع إلكتروني للصحيفة في خطوة يفهم منها إعادة الحيوية والزخم للصحف الورقية ولتقف هذه الصحيفة الوليدة على قدميها وتواكب زميلاتها صحف إنجلترا التي امتدحت هذه الخطوة .
( نيو دي ) أو ( يوم جديد ) واختيار اسم الصحيفة جاء غاية في الذكاء ليعطي مدلولاً ببداية عهد أو يوم جديد مختلف، خاصة إذا عرفنا أن الصحافة البريطانية عادة تقدم مادة دسمة بمقالات مطولة أو معمقة، بينما يبحث القارئ حالياً عن التنوع والمادة الخفيفة والمركزة في نفس الوقت، وهذا ما تريد أن تنتهجه هذه الصحيفة التي وزعت مليوني نسخة لأول عدد عبر أربعين ألف منفذ بيع، في حين أنها باعت مئة وخمسين ألف نسخة في ثاني وثالث أيامها، ولنتذكر ماذا يعنيه هذا الرقم كمبيعات لصحيفة مطبوعة في هذا الوقت. باقي الصحف أشادت ورحبت مع نظرة حذر وترقب وإعادة تقييم لمواقفها، لما أحدثته هذه الصحيفة الوليدة والجريئة من إعادة الثقة بالصحافة الورقية وقدرتها على تحقيق الأرباح خاصة في بلد يقرأ كثيراُ وهذا له اعتبار. ( اليوم الجديد ) أحدثت هزة وصدمة إيجابية وما يعنيه هذا لكل من يكتب في الصحافة الورقية، طابت أوقاتكم.