عمر إبراهيم الرشيد
من محاسن الالتفاتة إلى البلدات التاريخية والقديمة في بعض نواحي المملكة وإعادة الحياة إلى أزقتها وترميم بيوتاتها، اطلاع الجيل الحالي والأجيال القادمة على الحس والتخطيط الحضري لدى الأجداد على بساطته لكنه يعكس حسًا بيئيًا واجتماعيًا عاليين. ذلك أن الأزقة الضيقة والحارات المتلاصقة لها
وظائفها وأسبابها من ناحية التكيف مع الظروف المناخية، كون الأزقة الضيقة تلطف من أثر الأجواء اللاهبة بتكوين الظل وبتقابل البيوت تخفيفًا من تأثير العواصف الترابية وحر الصيف القائظ. ثم إن خلف ذلك التخطيط والنمط البنائي دواعي اجتماعية وأمنية، وحماية ضد أي تدخل خارجي أو اعتداء محتمل. عدا عن مادة البناء المستخدمة الوحيدة وهي الطين، ذلك العازل الطبيعي والمقاوم لعوامل الزمن وما الآثار الباقية إلى اليوم إلا أنصع برهان.
المدن السعودية اليوم على امتداد المملكة تشترك في مظهر معماري يكاد يكون متماثلاً، وهو التجمعات السكانية والأحياء (كثير منها لا ينطبق مسمى الحي عليها) تتقاطع خلالها الطرقات والشوارع بشكل شبكي، بعض تلك الطرقات تماثل السريعة في مدن عالمية، وهذه إحدى أهم المعضلات في نظري. وقد كتبت مرارًا هنا كما كتب غيري الكثيرون عن وضع المدن والبلدات السعودية وافتقارها للتخطيط الحضري والاجتماعي كذلك، إنما قرار مجلس الوزراء قبل أيام بإنشاء إدارة عامة للتخطيط الحضري في وزارة الشؤون البلدية وأمانات المناطق يكشف عن أحد ملامح التطوير والتحول الوطني في التنمية والاقتصاد. برغم وجود إدارة لتخطيط المدن في وزارة الشؤون البلدية من قبل، إنما يبدو أنها إدارة بيروقراطية مثل كثير من الإدارات غيرها في السابق تفتقر إلى حيوية العمل وآليات التنفيذ التي لدى القطاع الخاص الناجح منه، وتلك هي فلسفة برنامج التحول الوطني التي تنطلق من ترشيد الموارد وإعادة توجيهها للعمل بعقلية اقتصادية منتجة، والتركيز على الكيفية وليس الكمية، وتنمية رأس المال البشري وتطويره وهذه فلسفة القطاع الخاص في الدول المتقدمة.
لا يخفى أن وضع المدن الكبيرة منها بالأخص وإن امتد ذلك إلى أكثر المدن الصغيرة كذلك من ناحية التخطيط الحضري، وضع أقل ما يوصف به أنه متأخر إن لم يكن غائبًا، ومصطلح التخطيط الحضري يشمل تناسب البناء والطرق والشوارع والميادين وجميع المرافق، مع بعضها البعض من جهة، ومن جهة أخرى مع الظروف البيئية والمناخية والاجتماعية وثقافة وطبيعة المجتمع، وهذا في صلب التخطيط الحضري ومعناه البسيط والمباشر، أما التفاصيل فهي لأهل الاختصاص. وغير خافٍ أن مراحل البناء والتنمية منذ الطفرة الأولى وحتى اليوم رافقها آثار جانبية وتحديدًا ما يخص التخطيط البيئي والحضري للمدن والتجمعات السكانية، تلك الآثار لا تقتصر على الجانب العمراني وتخطيط المدن والمرافق والشوارع فحسب، إنما تؤثر هذه بدورها اجتماعيًا وصحيًا واقتصاديًا، وما ارتفاع معدل المصابين بالسكري وضغط الدم بل وأمراض السرطان شفاهم الله وعافانا وإياكم إلا لشيوع عادات غذائية ومعيشية خاطئة، إضافة لفقر التخطيط البيئي والحضري للمدن والحواضر السكانية لدينا.
لذا فإنه مبشر وباعث للأمل قرار مجلس الوزراء الموقر بإنشاء هذه الإدارة المتصلة بالصحة النفسية والاجتماعية للسكان والشكل الحضري للمدن وهويتها، ضمن النقلة التنموية المنشودة وبرنامج التحول الوطني الحضاري الواعد، حفظ الله هذا الوطن وأعاد السلم والرخاء إلى المنكوبة من أوطان المسلمين، طابت أوقاتكم.