عمر إبراهيم الرشيد
دوللي برومان امرأة أمريكية التحقت بجامعة بيريسيا بولاية كنتاكي الأمريكية عام 1957 م وهي في الأربعين من عمرها، ولظروفها الخاصة اضطرت لترك مقاعد الدراسة الجامعية، لكن طموحها لم يمت حتى بعد أربعين سنة أخرى من عمرها فعادت إلى مقاعد الدراسة الجامعية وأكملت تعليمها، حتى حازت الشهادة الجامعية في الفنون بعدما جاوزت المئة من عمرها.
لا حدود للعلم ولا للطموح الذي لا يفترض أن يحدهما تقدم الإنسان في العمر، ومثل قصة هذه السيدة ملهمة في هذه المسألة وفي مجالات الحياة عامة. يقول الدكتور طارق السويدان خبير التنمية البشرية والإدارية أنه حين كان في مرحلة الدراسات العليا في الولايات المتحدة، كانت هناك سيدة جاوزت الثمانين من عمرها وتدرس معه في نفس القاعة كذلك. حين تتلقى مثل هذه القصص فإنك تعجب حقيقة من هكذا إرادة وتصميم وشغف كذلك بالمعرفة وزيادة صقل الفكر والشخصية، ومن جهة أخرى تعجب وتحترم وب إكبار الالتزام بالمسؤولية من قبل مثل هذه الجامعات نحو مجتمعاتها، وإزاحة أية معيقات أو إجراءات بيرقراطية تكسر مجاديف طالبي العلم أياً كانت أعمارهم أو خلفياتهم العلمية والثقافية.
وعلى نحو مجاف لهذا النموذج، وقبل أقل من شهرين، سجل صديق بياناته في موقع جامعة حكومية بالرياض، للالتحاق بدورة تدريبية مدتها عام كامل وبمقابل مادي، ضمن الدورات التي يعقدها مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر. جاءه الرد بعد أيام بإحضار مستنداته إلى مقر الجامعة لإكمال التسجيل، فلما حضر إلى المركز مصطحباً أوراقه فوجئ بالموظف هناك يخبره بأن معدله في البكالوريوس والتي حصل عليها قبل سنوات لا يؤهله لدخول هذه الدورة! رغم أنه استلم رسالة على هاتفه الجوال بإكمال أوراقه أي بقبوله، عدا عن أنه سجّل بياناته كاملة في الموقع ومنها معدله في البكالوريوس، فانظر إلى ضعف وركاكة الإجراءات عوضاً عن صد الراغبين في الاستزادة من المعرفة وصقل الخبرة ومهارات الحياة وعلى حسابهم وليس بالمجان!! إنك حين تقارن هذا بقصة تلك السيدتين في أمريكا وتعامل الجامعة معهن وغيرهن من أفراد المجتمع على اختلاف شرائحهم وأعمارهم وبغض النظر عن خلفياتهم الدراسية أو الثقافية، فإنك تأسف حقيقة لاستمرار تقييم الراغب في مواصلة أو استئناف دراسته فقط بمعدله، واعتبار معدله أو درجاته هي معيار كفاءته العلمية الوحيد. ولا عجب إذ إن من نتائج هذه الثقافة حصر الكفاءة العلمية بالشهادة الجامعية فما فوق، بينما الدول الصناعية والمتقدمة تعتمد في مواردها البشرية على المعاهد التقنية ومراكز التنمية البشرية، طابت أوقاتكم.