عمر إبراهيم الرشيد
لا يخفى على من عايش فترة الطفرة الأولى إلى بدايات الثمانينيات الميلادية حجم ودور الشركات الكورية العملاقة التي تولت مشاريع البنية التحتية في المملكة إلى جانب الشركات الدولية الأخرى، بل حتى أبناء الجيل الحالي يعرف مَن يطلع منهم على المشاريع القائمة منذ تلك الفترة حتى اليوم بجودتها ودقة تنفيذها ومواصفاتها العالية..
يعرف مدى مهارة وقوة تلك الشركات الكورية، وعمق تجربتها وخبرتها الدولية. ومعروف لدى الجميع أن كوريا الجنوبية قوة اقتصادية بصناعاتها الثقيلة وصادراتها التي تنافس بها أقوى الدول صناعيًّا واقتصاديًّا منذ السبعينيات الميلادية. لقد كتبت هنا مرارًا كما كتب غيري الكثيرون من زملاء الكلمة عن سوق المقاولات الوطني، وما ظني أن القارئ بحاجة لشرح أسباب تعثر آلاف المشاريع الحكومية التي توجز بضعف تأهيل غالبية الشركات والمؤسسات المحلية، وطبيعة الأنظمة التي تحكم سوق المقاولات وترسية المشروعات الحكومية. وهذا لا ينفي وجود شركات وطنية تعمل بجودة ومهنية، وتحظى باحترام حكومي وشعبي، لكنها بالطبع لا تستطيع تغطية آلاف المشاريع في الوقت نفسه؛ وهذا ما يدعو لفتح المجال بشكل أوسع وأسرع للشركات الخليجية والدولية لتسلم مشاريع البنية التحتية إلى جانب الشركات الوطنية، وعقد شراكات فيما بينها لتوطين الخبرة ونقل التجارب الناجحة إلى السوق المحلية، كما حدث في مشاريع المترو والقطارات والمطارات في المملكة، التي دخلت الشركات العالمية المرموقة فيها.
إن توجُّه وزارة الإسكان للاستعانة بالخبرة الكورية، وتوقيع الاتفاقية معها لتنفيذ مئة ألف وحدة سكنية، قرار طال انتظاره، ويحسب لوزارة الإسكان هذا التوجُّه؛ لما للشركات الكورية - كما يعلم الجميع - من خبرة وسمعة طيبة لدى السعوديين والخليجيين عمومًا نظير مشاريعها الماثلة إلى اليوم، وكأنها نُفّذت قبل عام أو اثنين، وهي قبل أكثر من ثلاثة عقود أو أربعة. إن أول خطوة لعلاج أي مشكلة هي الاعتراف بها، أو هو نصف الحل. وبلد مترامي الأطراف كالمملكة وبآلاف المشاريع بموازنات ضخمة لا يمكن لعدة شركات وطنية محدودة أن تغطيها وتنفذها مهما وصلت إمكانياتها. وما تعثر المشاريع لدينا إلا شاهد على ذلك. فلا عيب في الاستعانة بالشركات الأجنبية وخبراتها، ليس في المجال الإنشائي فقط، إنما ينطبق هذا على كل المجالات، في الطب والتعليم والصناعة وسائر الحقول، فلم تتبوأ كوريا مثلاً أو ماليزيا أو سنغافورة - وهذه الدول كانت محسوبة على العالم الثالث سابقًا - لم تتبوأ مكانتها الاقتصادية بين ليلة وضحاها كما يعلم كل مطلع، إنما بنقل التقنية وجلب الخبرات الأجنبية، وإصلاح التعليم، ومن ثم التدرج في الصناعات والخدمات إلى أن وقفت في صف الدول المتقدمة. طابت أوقاتكم.