د. عبدالواحد الحميد
الفواجع المزلزلة التي يتعرض لها العالم العربي وحالة التمزّق التي تمر بها بعض الدول العربية جعلت مجرد الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية في بعض الحالات أمراً مشكوكاً فيه حتى صار الحديث عن العمل الاقتصادي العربي المشترك حديثاً خيالياً أقرب إلى أحاديث التسلية وأحلام اليقظة.
ولكن في واقع الأمر أن ما يحدث من كوارث في عالمنا العربي يجعل العرب أشد ما يكونون حاجةً إلى تفعيل كل آفاق التعاون الممكن وبخاصة في المجال الاقتصادي، فالفقر والبطالة وانخفاض المستوى المعيشي وانكماش الطبقة الوسطى وبؤس الحالة الاقتصادية عموماً هو أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت وتدفع الشباب العربي إلى الوقوع في شباك الحركات المتطرفة أو النزوع إلى الهجرة من البلدان العربية بحثاً عن مستقبل أفضل في بلدان أخرى.
وتأتي مبادرة مشروع جسر الملك سلمان بن عبدالعزيز لربط المملكة بريَّاً مع الشقيقة مصر وسط حالة اليأس العربي كالحلم الجميل الذي يوشك أن يتحول إلى حقيقة إن شاء الله بعد عقود طويلة من الانتظار.
فبالإضافة إلى البعد الرمزي لإقامة هذا الجسر وما يجسده من مشاعر الأخوة بين الشعب السعودي والشعب المصري بشكل خاص وما يمثّله عموماً من رفع للمعنويات العربية المتعبة بفعل المصائب والمحن والنزاعات التي تفتك بالبلدان والشعوب العربية فإن الفائدة الاقتصادية المباشرة لإنشائه هائلة حتى قيل في تقدير مبدئي أنها تتجاوز مائتي مليار دولار في جانب التبادل التجاري.
سيكون هذا الجسر البري الممتد فوق الماء معبراً للبضائع والمسافرين وسوف يختصر المسافة ويقلّل التكلفة ويفتح آفاقاً جديدة من التعاون والتبادل والتكامل بين السعودية ومصر، كما أنه سوف يتيح الربط البري بين القارة الآسيوية والقارة الأفريقية ويسهل الحركة التجارية والتنقل بين بلدان المشرق العربي والمغرب العربي.
من المحزن أن تضيع الكثير من الفرص المشابهة للتكامل بين البلدان العربية منذ استقلالها وينشغل العرب بدلاً من ذلك في النزاعات الجانبية التي يشعلها خصوم العرب ويعملون على استمرارها.
لعل هذا النموذج السعودي المصري للتعاون في المجال الاقتصادي يكون بادرة خير يتم استنساخها بين دول عربية أخرى هي في أمس الحاجة للانخراط في البناء والتقدّم والاستفادة من الإمكانيات الهائلة لزيادة التبادل التجاري والاستثمار وتوليد الوظائف للقضاء على البطالة والفقر وجميع الأمراض الاقتصادية التي تعاني منها البلدان العربية.