فيصل خالد الخديدي
إن الريادة في أي مجال تعني أسبقية الشخص للدخول في هذا المجال قبل أن يدخله أحد غيره وهي بذلك أِشمل من التجديد والمجدد, لأن الرائد له الأسبقية في المجال ويتبعه بعد ذلك آخرون ومنهم المجددون, ولكي تتحقق الريادة لابد أن يُحقِق هذا السبق والأسبقية شيئاً جديداً يعترف أهل الاختصاص بقيمته وأثره, وفي الفنون التشكيلية الوضع لايختلف كثيرا فأسبقية بعض التشكيليين في إدخال الممارسة التشكيلية بشكل واعي ومقنن لبلد أو قطر معين أكسبهم شيئا من الريادة التاريخية في مجال الفنون التشكيلية لهذه المنطقة أو البلد، وهو ما يجعل الريادة محصورة في أسماء محددة, ولعل البعض يرى أن الريادة أيضاً تأتي تجاوزاً ريادة أسلوبية فمن كان أسبق إلى أسلوب أصبح رائداً في هذا الأسلوب, ولكن التجاوز والتوسع في إطلاق المصطلح سواء بعلم أو بغير علم سمح للكثير بالإسراف في التسمية والإشكالية لا تتوقف عند حدود استخدام المصطلح من عدمه، بل تتجاوز ذلك إلى صناعة تاريخ من زيف يخدم مصالح وقتية أو صناعة أمجاد من سراب لأغراض تسويقية يسعى ممارسيها لصناعة فنانين من ورق وأمجاد من وهم ضاربون بحقائق وتاريخ ومسيرة التشكيل المحلي عرض الحائط، وكاتبون تاريخهم المزيف بإعلام مضلل أو مطبوعات فاخرة تسوق لهم كصناع مجد وبانين مسيرة التشكيل المحلي, فتجد أحدهم ينسف جميع ما قدم التشكيل المحلي في الداخل والخارج وينصب نفسه مكتشف التشكيل السعودي وعرابه، وكأنما اكتشف بئر نفط في صحراء قاحلة وسط قوم جهلة لايعرفون من العالم الا الخيمة والبعير، ولم يكن للفنون التشكيلية المحلية نصيب في الحضور دولياً وعالمياً إلا من خلاله, والوضع ليس بأفضل عند بعض المسوقين لأنفسهم وجهودهم بالساحة التشكيلية المحلية والمنتفعين من صناعة أسماء وتغييب أسماء وحقائق وتاريخ، وذلك بإيجاد مساحة ولو كانت من زيف بأن تاريخ الممارسة التشكيلية المحلية لم يبدأ إلا بوجودهم وبدعمهم، وأن ماسوى ذلك هباء وجهود مبعثرة ,إن مثل هذا التضليل والتزييف لم يكن لينتشر ويظهر ويقدم نفسه على أنه الأنجع والأفضل والأصح في الساحة المحلية لولا تواطؤ أصحاب المصالح من الفنانين والمسترزقة من هذا الزيف وغياب أو خفوت صوت الحقيقة، والتأريخ والتوثيق الصادق والمنصف, فبالرغم من صدور بعض الكتب التاريخية والموسوعية عن مسيرة التشكيل المحلي مثل كتاب مسيرة الفن التشكيلي السعودي للفنان والكاتب عبدالرحمن السليمان، وكتاب تارخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية للفنان الدكتور محمد الرصيص وغيرها من كتب توثق لتاريخ الممارسة التشكيلية المحلية إلا أنها لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، ولم يرتق صوتها لصوت التضليل والزيف فالجهود المبذولة تحتاج إلى جهود أكبر لتظهر والدور الأكاديمي لا بد أن يخرج من دفتي الرسائل العلمية والبحثية إلى كتب وندوات ومحاضرات والإعلام والنقد لابد أن يكون دوره أكثر فاعلية؛ فالزيف والتضليل لايستكين في تغييب الحقيقي وصناعة مجد من زيف.