عمر إبراهيم الرشيد
تطرقت في مقالي الاثنين الفائت للإدارة كقيمة ومزيج من المزايا الشخصية والمعرفية، إلى جانب التحصيل العلمي، وإن كانت الشهادة ليست مقياسًا على الدوام. هنا سأحاول أن أتم ما بدأته في مقالي السابق، الذي اخترت فيه المجال الرياضي مثالاً؛ لأنه - كما قلت - قطاع شفاف، بمعنى أن حسن أو سوء الإدارة تظهر نتائجهما في فترة غير طويلة نظرًا لجماهيرية الرياضة، خاصة كرة القدم، ولالتصاق ذلك بالإعلام بمختلف وسائله.
وأقول إن من مظاهر الضعف أو قصر النظر الإداري الرياضي لدينا ربط الفوز بالمكافآت المالية الإضافية، أو مضاعفتها حين تكون المباراة في كرة القدم ندية، أو بين فريقين تشتد المنافسة بينهما على الدوام. وهذه الطريقة الإدارية تشيع المادية، وتقتل روح الانتماء، وتضعف الروح الرياضية.. وغير خاف أن الجمهور داخليًّا وخارجيًّا بات ينظر إلى (بعض) اللاعبين لدينا بأنهم باتوا يلعبون من أجل المادة. فأين هم من أيام ماجد عبدالله ومحيسن الجمعان ويوسف الثنيان وسامي الجابر ومحمد عبدالجواد وصالح خليفة وصالح النعيمة وغيرهم من مجايليهم، الذين أوصلوا المنتخب إلى كأس العالم عام 94م، وتقف خلفهم تلك الإدارة الرصينة والاحترافية؟ من جهة أخرى، فبعض الإدارات الحالية كذلك تؤخر مرتبات اللاعبين أشهرًا وهي تطالبهم بفكر رياضي احترافي، وتنسى نفسها. فإن أردنا رياضة احترافية تشكِّل قوة ناعمة ورافدًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا، إعلاميًّا وصحيًّا، فلنطبق الاحتراف في كامل المنظومة الرياضية من إدارة ولاعبين ومرافق وإعلام رياضي وتدريب.
ثم تأتي القضية التي ما زال هدير الجدل فيها دائرًا منذ عقود، وهي التحكيم. فبالرغم من أنه لا يوجد حكم يعمل بطريقة آلية لا تخطئ، وفي أي ملعب في العالم، فإننا نرى - وللأسف - إصرارًا على جلب الحكام الأجانب في إشارة (مخجلة) إلى أنه ليس لدينا الكوادر المؤهلة تحكيميًّا، بالرغم من إنجازاتنا الكروية لاعبين وحكامًا. فالمنتخب وصل إلى كأس العالم مرات عدة، كما أن حكامًا سعوديين كذلك وصلوا تحكيميًّا قبل المنتخب (فلاج شنار مثالاً) وغيره ممن أثبتوا - ولا يزالون - جدارتهم.. فهلا راجعنا أنفسنا، واحترمنا حكامنا، ومنحناهم الثقة بدلاً من عقدة (الخواجة)؟!
مسألة إدارية في غاية الأهمية، وفي ظني إنها من أسباب تراجع الكرة السعودية عمومًا، ألا وهي المدرب الوطني، وعدم الالتفات إليه وإعطائه حقه من التدريب والصقل فضلاً عن منحه الفرصة لقيادة ناديه أو أحد المنتخبات الوطنية. نعلم جميعًا أن المنتخب حقق أول كأس قاري تحت قيادة المدرب الوطني خليل الزياني، كما دربه أيضًا ناصر الجوهر ومحمد الخراشي وغيرهم. وهل يخفى التأثير النفسي والوطني، إضافة إلى الرابط الاجتماعي واللغوي، ومن ثم الانسجام المطلوب بين اللاعبين ومدربهم الوطني؟ وحين نستعرض منتخبات عالمية عديدة لها إنجازاتها الكروية نجد أن مدربيها مواطنون؛ لأن إدارات تلك المنتخبات تعي تأثير هذه المسألة، بل تتمسك بها.
إنني على يقين بأن هذا البلد الطيب لن يعدم المخلصين حكومة وقيادات وشعبًا.. وهل ننسى كؤوس آسيا المتتالية، ووصول المنتخب الكروي إلى كأس العالم مرات عدة، إضافة إلى لاعبي القوى، مثل العداء يوسف مسرحي ورفاقه الأبطال، ومنتخب الكاراتيه الذي حقق بطولات قارية عدة! ثم هل ننسى منتخب المملكة الكروي الذي حقق كأس العالم لذوي الاحتياجات الخاصة ثلاث مرات؟ وهذا - بالمناسبة - تحت قيادة المدرب الوطني بندر الجعيثن؛ ولعل هذا يؤكد ما ذكرته آنفًا من أن لدينا الكوادر الإدارية المخلصة والاحترافية، والمواهب الرياضية على اختلاف مجالاتها، وليس فقط في الكرة. أحيانًا ينظر المرء إلى العشب في الضفة المقابلة بينما هو يقف على عشب أخضر! فحين ننتقد يجدر بنا تحري الإصلاح والبُعد عن التعميم والشخصنة وجلد الذات، كما يجدر بنا الإشادة بكل من ينجز وكل ما يتحقق من نجاح. والله من وراء القصد.