فيصل خالد الخديدي
منذ بداية الملتقى اعتاد أن يلقاه على نفس الطاولة في كل مساء كل منهما حريص على أن يخلق مساحة من الحوار والنقاش وشيء من جدل عن الفن وحوله, فهي الثمرة الأساسية التي يرونها من حضور الملتقيات والورش التشكيلية التي اشغلت وانشغلت الساحة التشكيلية المحلية والعربية بكثير منها بأهداف للفن أو بعيدة عنه, وعادة ما يبدأ حوارهما فاتراً كسولاً حتى يستفز أحدهما الآخر..
- مرحباً يادكتور...
- ياخي أنا ما دكتور إلا بالجامعة... في الشارع وفي الحياة أنا إنسان فنان .. الألقاب مأزق أرفض أن أحصر ذاتي فيه, خلقت حراً لا يحدني لقب أو يأسرني منصب... أعيش لأبحث وأستمتع بالبحث والفن والعمل دونما أستاذية أو وهم فوقية ونخبوية ...ولازلت أتعلم وأطور أدواتي وأنتج بصدق وحب...
- ولكنه حق لك ياصديقي ودرجة علمية حصلت عليها بجهد وعناء وغيرك كثير ملأوا الأرض ضجيجاً بألقاب بين وهم وحقيقة وهم لا يملكون شيئاً من فن ولا معرفة...
- هو شأنهم ولا يعنيني ولن أغير من مبادئي وقيمي لأكون ضمن ركبهم, فالمبادئ لا تتجزأ والقيم لا تتبدل بتبدل المواقف ولن أضيف أزمة المصطلحات والألقاب المنتشرة في بعض مجتمعاتنا العربية لقائمة الأزمات التي تواجهنا معشر التشكيليين فأزماتنا تكفينا عما سواها.
يعيش التشكيليون العديد من الأزمات وكلما زادت مصداقية التشكيلي مع نفسه وفنه كلما أرتفع منسوب حساسيته للمواقف والأحداث والمحيط الذي يعيش فيه وهو ما يجعله أكثر عرضة لمصافحة المزيد من الأزمات التي إما أن تغير مساره أو تزيده إصراراً لتجاوزها أو ينكفئ أمامها على ذاته ويخسر كثير من إبداعه.
إن الأمواج المتلاطمة من العشوائية التي تعيشها الفنون التشكيلية سمحت لكثير من الدخلاء على الفن بأن يتسيدوا ويقودوا زمام الأمر في كثير من المواقف وهو ما جعل الفنان الصادق والمحب لفنه يعيش العديد من الأزمات بينه وبين نفسه وبين فنه ومع مجتمعه ومع الصدق ذاته في تقديم نفسه ومنجزه, فاهتزت ثوابت الكثير منهم وتخلخلت أواصر الثقة فيما يقدمون وهي أكبر أزمة يعيشها الفنان مع ذاته في فقدان الثقة والإصرار وضياع بوصلته القائدة له في مواصلة السير بخطى ثابتة, أيضاً تأتي أزمة الفنان مع المجتمع ومؤسساته الثقافية والحكومية وتقبلها لمنجز الفنان الصادق وشخصيته, والخلط المجتمعي في التعامل وعدم التفريق بين الفنان الحقيقي والمدعي, وتقبل المقلد على أنه أصيل وازدياد الهوة والفجوة بين الفنان ومجتمعه دائماً ما تكون مصدر أرق للفنان, كما أن انعدام العلاقة أو فقد الثقة بين الفنان والنقد والتغذية الراجعة, زاد الطينة بِله وأفقد الطرفين لغة التواصل, فتحسس الفنان من النقد وعدم تقبله لكثير منه, جعله في حساسية عالية منه, وعدائية دائمة معه, وفي المقابل الكثير من النقد تحطيم ولا يقدم حلول, والإنصاف منه قليل ويُتهم دائماً بالمبالغة والمجاملة...